الجمعة، 29 سبتمبر 2017

فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء ( الجزء الثالث )


صيا م عاشوراء ماذا يكفّر؟



قال الإمام النووي رحمه الله:

يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر.

ثم قال رحمه الله: صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء

كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه…

كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من

الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات،

ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر

رجونا أن تخفف من الكبائر.

(المجموع شرح المهذب ج6 صوم يوم عرفة).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وتكفير الطّهارة، والصّلاة،

وصيام رمضان، وعرفة، وعاشوراء للصّغائر فقط.

(الفتاوى الكبرى ج5).



عدم الاغترار بثواب الصيام:



يغتر بعض المغرورين بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء

أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفّر ذنوب

العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.

قال ابن القيم: لم يدرِ هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس

أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفّر

ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى

الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر

إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر.

ومن المغرورين من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه، لأنه لا

يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعة

حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم

مائة مرّة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم، ويتكلم بما لا

يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمّل في فضائل التسبيحات

والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذّابين

والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللّسان، وذلك محض غرور.

(الموسوعة الفقهية ج31، غرور).



صيام عاشوراء وعليه قضاء من رمضان:



اختلف الفقهاء في حكم التطوع بالصّوم قبل قضاء رمضان، فذهب

الحنفية إلى جواز التطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة،

لكون القضاء لا يجب على الفور، وذهب المالكيّة والشّافعيّة

إلى الجواز مع الكراهة، لما يلزم من تأخير الواجب،

قال الدسوقي: يكره التّطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب،

كالمنذور والقضاء والكفارة، سواء كان صوم التّطوع الذي قدّمه على

الصوم الواجب غير مؤكد أو كان مؤكّداً كعاشوراء وتاسع ذي الحجة

على الراجح، وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصّوم قبل قضاء

رمضان، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتّسع الوقت للقضاء،

ولابد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه.

(الموسوعة الفقهية ج28: صوم التطوع).

فعلى المسلم أن يبادر إلى القضاء بعد رمضان ليتمكن من صيام

عرفة وعاشوراء دون حرج، ولو صام عرفة وعاشوراء بنية

القضاء من الليل أجزأه ذلك في قضاء الفريضة، و فضل الله عظيم.



بدع عاشوراء:



سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّا يفعله النّاس في يوم

عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحنَّاء والمُصافحةِ،

وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك.. هل لذلك أصلٌ أم لا؟

الجوابُ:

الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح

عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحبَّ ذلك أحدٌ

من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى

أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم

ولا الصّحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولكن روى بعض

المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء

لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض

ذلك العام، وأمثال ذلك..

ورووا في حديث موضوع مكذوبٍ على النبي صلى الله عليه وسلم:

(أنَّهُ من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنّة).

ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب.



ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث

ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال:

فصارت طائفة جاهلة ظالمة:

إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته،

تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار

الجاهليّة من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتَّعزي بعزاء الجاهلية..

وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير،

والصّدق فيها ليس فيه إلاّ تجديد الحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب،

وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتّوسل بذلك إلى سبِّ

السَّابقين الأولين.. وشرُّ هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه

الرّجل الفصيح في الكلام. فعارض هؤلاء قوم إمّا من النّواصب

المتعصّبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجُهّال الّذين قابلوا

الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشَّرَّ بالشَّرِّ، والبدعة بالبدعة،

فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال

والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة

عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء

يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح،

وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأفراح، وكلا الطائفتين

مخطئة خارجة عن السنة..

(الفتاوى الكبرى لابن تيمية).

وذكر ابن الحاج رحمه الله من بدع عاشوراء تعمد إخراج

الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً، وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال

الحنّاء للنساء: (المدخل ج1 يوم عاشوراء).



نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم، وأن يحيينا على

الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.

ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا

ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله

وصحبه أجمعين

الشيخ / محمد صالح المنجد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق