الاثنين، 1 أكتوبر 2018

الرضا (1)


بسم الله الرحمن الرحيم

من لوازم الإيمان :
أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس الثاني والأربعين من دروسِ مدارج السالكين,
في مراتب إيّاكَ نعبد وإيّاكَ نستعين, ومنزلةُ اليوم هيَ منزلةُ الرِضا.
كُلكُم يعلم:
أنَّ الإنسانَ بينَ حالتين؛ بينَ حالة رِضى وبينَ حالةِ سُخطٍ، فالرِضا
من لوازِمِ الإيمان والسُخطُ من لوازِمِ الكُفر.
أجمعَ العُلماءُ على أنَّ الرِضا مُستحب بل إنهُ مستحبٌ مؤكّد.
ربُنا سبحانُهُ وتعالى في بعضِ الأحاديث القُدسيّة يقول:
من لم يصبِر على بلائي, ولم يرض بقضائي, فليتخذّ ربّاً سِواي.
يعني نحنُ عبيدٌ للهِ عزّ وجل, وليسَ لنا إلا قضاءِ الله وقَدَرُه,
والدُعاء الذي تدعونَ بهِ دائماً:
اللهمَّ إني عبدُكَ وابنُ عبدِكَ وابنُ أَمتِكَ, ماضٍ فيَّ قضاؤك نافذٌ فيَّ حُكمُك.
يعني بشكل واقعي: ليسَ لنا إلاّ الله عزّ وجل.

ما الفرق بين الحال والمقام؟ :

على كُلٍ؛ العُلماء يُفرّقون بينَ الحال وبينَ المقام، المقام كسبيّ والحال وهبيّ،
بعضُهم يرى أنَّ الرِضا حال, وما دامَ حالاً فهوَ وهبيٌّ؛ أيّ أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى
يُلقي في روعِكَ الرِضا أو السُخط، فإن رآكَ مستقيماً,
إن رآكَ مُخلِصاً, إن رآكَ مُنيباً, إن رآكَ مُحِبّاً, ألقى في قلبِكَ الرِضا
بقضائِهِ وقَدَرِه.
على كُلٍ؛ الرِضا بالقضاء والقدر لهُ جانب كسبيّ, يعني أنتَ إذا عرفتَ اللهَ عزّ وجل,
وعَرفتَ حِكمَتَهُ, وعَرفتَ عدله ورحمتَهُ, تستنبط استنباطاً ثابِتاً:
أنَّ الذي أصابَكَ محضُ حِكمةٍ, ومحضُ رحمةٍ, ومحضُ عدلٍ,
فجانب من الرِضا كسبيّ وجانب مِنهُ وهبيّ، جانب مِنهُ مقام وجانب مِنهُ حال.
على كُلٍ؛ الجمعُ بينَ المعنيين يتمُّ على الشكل التالي:
إنكَ إذا بذلتَ ما كُلّفتَ بِهِ من معرِفة اللهِ, ومن فهمِ كتابِهِ, ومن الاستقامةِ
على أمرِهِ, جاءكَ الرِضا الوهبيّ, وهوَ أنَّ اللهَ عزّ وجل يُلقي في قلبِكَ
السكينةَ والرِضا.

نقطة دقيقة :

أقول لكم هذه الكلمة: لو أنَّ إنساناً كانَ في أعلى مستوياتِ الحياة, ولم
يكُن راضيّاً عن اللهِ عزّ وجل, فهوَ في حالةٍ تعيسةٍ وشقيّةٍ لا توصف،
ولو أنكَ في أدنى درجات الحياة, وكُنتَ راضيّاً عن اللهِ عزّ وجل,
فأنتَ في أسعدِ الحالات, فالعِبرةُ ليست في كميّة المال بل العِبرةُ في الرِضا.
يعني النقطة الدقيقة:
كميّة المال والصِحة والحظوظ التي يتفضّلُ الله بِها على عِبادِهِ
هذهِ ثابتة, ولكن مُنعكسها هوَ المُهم:
إذا جاءتكَ الحظوظ من كُلِّ جانب ولم تكُن راضيّاً عن الله عزّ وجل فهذا شقاء،
وإن فاتَكَ أشياء وأشياء من الدُنيا وكُنتَ معَ ذلكَ راضياً عن
الله عزّ وجل فهذه سعادة, ما الذي يجعَلُكَ ترضى؟.

هذا دور العلم :

مثلاً: طفل على كُرسي طبيب الأسنان, وفي سِنّهِ ألمٌ شديد,
ولا بُدَّ من قلعِ هذا السِن, ولا بُدَّ قبلَ قلعِ هذا السِنِ من مُخدّر,
ولا بُدَّ لهذا المُخدّر من حِقنة, حينما يتألمُ الطفلُ,
يرفضُ أن يبقى جالساً, وقد يصيح, وقد يتكلّم كلاماً
غيرَ لائق, لماذا؟ لأنهُ لا يعرِفُ أنَّ الطبيبَ يعملُ لِصالِحهِ، ولا يعرِفُ أنَّ
هذه الإبرة بعدَ قليل سوفَ تُنسيهِ الألمَ الطويل.
ماذا يُساوي الرِضا؟ العِلم، كُلما كانَ عِلمُكَ باللهِ أكبر, كانَ رِضاكَ عنهُ أشد,
وكُلما كانَ هُناكَ جهلٌ باللهِ عزّ وجل, كانَ معَ الجهلِ سُخط,
يُمكن أن نجمعَ بينَ العِلم والرِضا, وبينَ الجهلِ والسُخط،
والإنسان حينما تُكشفُ لهُ الحقائق, وحينما يظهرُ لهُ أنَّ كُلَّ
أفعالِ اللهِ حكيمةٌ ورحيمةٌ وعادِلةٌ, وأنهُ لم يرضَها
في حينِهِ, وأنهُ سَخِطَ على اللهِ مِنها, عندئذٍ يتألّمُ أشدَّ الألم، لذلك:
عليكم بالعِلم, لأنَّ العِلمَ وحدَهُ طريقُ الرِضا، وطريقُ المعرِفة،
وطريقُ السكينة، وطريقُ كُلِّ ثمراتِ الإيمان التي نصَّ عليها القرآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق