الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

تخلصت من ضغطي النفسي بألم جسدي (1)


أ. عائشة الحكمي

السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم

أساتذتي الكرام، لديَّ مشكلة غريبة نوعًا ما، ولكنها حصلت.
كنتُ طالبة في الثانوية العامة في السنة الماضية، ومرَّت بي ظروفٌ
عصيبة جدًّا، وأصبحت أخاف مِن كل شيء له علاقة بالدراسة
والامتحانات، وبالذات مادة الرياضيات!

مرَّت المرحلة الثانوية بسلام، ودخلت إلى الجامعة، ولكني عند كل امتحان
- صعبًا كان أم سهلاً - أتعقَّد نفسيًّا،
وأتمنَّى أن يَحصل أيُّ شيء يُعفيَني من التَّقدّم له!

كنتُ أحاول أن أبتلِعَ أدوية ضارة، أو أن أكسر يدي اليمنى أو أجرحها
جرحًا بليغًا، أو أن أرميَ بنفسي أمام سيارة مسرعة!!
وكنت أسأل الله أن يسامحني إذا متُّ ولا يعتبرها انتحارًا؛
لأنني كنت أشعر أن ما يحصل خارج عن إرادتي!

كنت أفعل ذلك قبل كلّ امتحان، إلى أن طلب مني أخي أن أدرس له
مادة الرياضيات التي سيمتحنها في امتحان الثانوية، والتي يخاف
أن لا ينجحَ بها، فعندها شعرت أن الدنيا ضاقت بوجهي كثيرًا، وأنني لن أسلم من هذا الهمِّ
إلا بأذى جسدي أُلحقُه بنفسي يُنسيني ذلك الخوف الرهيب!!

حاولت عندها كسر يدي أكثر من مرَّة، فلم أفلح! حاولت جرحَها، حاولت
أن أرمِيَ بنفسي أمام سيارة، فلم أفلح!

فلم يبق أمامي سوى أن أحرق يدي اليمنى، ففعلتُ ذلك! حرقتُ يدي
اليمنى بماء ساخن، وادَّعيتُ أنَّها انسكبت على يدي!!

مضى شهران على هذه الحادثة، ولا يزال الشعور بالخوف يراودني،
وأهرب منه إلى إيذاء نفسي جسديًّا!

أرجوكم ساعدوني قبل أن أقتل نفسي، فإني أخاف الله!!!

سلام الله عليكم.
الجواب
لستُ أدري كم شخصًا سيقرأ كلماتي قَبلكِ، والله أعلم كم شخصًا
سيقرؤها بَعدكِ، إنما أدري أنني لا أخاطب فيهم أحدًا غيركِ!
فأرجو أن تعي كلَّ كلمة كتبتُها لك بقلبك وفكرك ووجدانك!
أولاً: أحب أن أوضح لكِ أمرًا، يعتقده بعض الناس جهلاً وخطأ حول كلمة
(هستيريا) مِن حيثُ كونُها تحمل في مضمونها مسبةً وإهانة
بالغة لذواتهم، متى ما وَصَفَهم أحدٌ بها!

كلمة هستيريا Hysteria - يا عزيزتي - مشتقة من الكلمة اليونانية
هسترون أو هسترا ، والتي تعني (الرحم)؛ لأنَّ الفكرة الشائعة في
ذلك الوقت أن هذا المرض يصيب النساء فقط؛ بسبب انقباضات عضليَّة في الرَّحِم،
وقد ثبت خطأُ هذه التسمية بعد ذلك، حيثُ يظهر مرض الهستيريا
في الرجال أيضًا، وإن كان أكثر شيوعًا لدى النساء، والأهم من كل
هذا أنه لا علاقة له بالرحم أصلاً! لكن المصطلح ظلَّ مستخدَمًا برغم ذلك
حتَّى في الوقت الراهن.

لعلكِ تتساءلين الآن عن مغزى هذه المقدمة؟
الأمر كما هو واضح - يا عزيزتي - أنَّك كما بدوتِ لي تشتكين من أعراض
هستيرية، وقد خشيتُ أن أقولها لك منذ البداية؛ فتُسيئي فَهم هذه الكلمةِ
كما يفعل الكثير، أما الآن فأظن أن غيمة الفكرة المغلوطة قد تبدَّدتْ
من فوق رأسك، أليس كذلك؟

والحقيقة أنكِ قد اختصرتِ تعريفَ الهستيريا بعنوان استشارتك:
تخلصت من ضغط نفسي بألم جسدي ، أجل هذه هي الهستيريا
باختصار شديد!

أمَّا اصطلاحيًّا فتعرف بأنها:
عُصاب تحولي تتحول فيه الانفعالات المزمنة إلى أعراض جسمية، ليس
لها أساس عضوي؛ لغرض فيه ميزة للفرد، أو هروبًا من الصراع النفسي،
أو من القلق، أو من موقف مُؤْلِم دون أن يدرك الدافع لذلك.

أليس تعريفكِ للهستيريا أرقَّ وأقصر؛ بل وأجمل؟!!

تظهر أعراض الهستيريا في صور ومواقف مختلفة، لكنها عندكِ تظهر
في صورتها العامة، أي عند بداية المدرسة، أو عند الامتحانات، حيث
ترتبط لديك بقلق الامتحانات وخاصة الرياضيات، وذلك في
صورة اضطرابات جلدية Dermatitis Artefacta كإحراق الذراع اليمنى،
أو محاولة كسرها، أو إيذائها بجرح بالغ
(ولِمَ اليمنى تحديدًا؟ لأنك ستكتبين بهذه اليد أجوبةَ الامتحان الصعب،
الذي تمقتينه من كلِّ قلبك الرياضيات ).

تُعالَج الهستيريا غالبًا من خلال العلاج النفسي المتعدِّد الأوجه:
كالتحليل النفسي - العلاج السلوكي - العلاج بالعمل - العلاج الترفيهي... إلخ.

وإن كان هذا لا يَمنع مِن تدخُّل العلاج الطّبّي إلى جانب العِلاج
النَّفسي في الكثير من الحالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق