الأربعاء، 27 فبراير 2019

كيف أستعيد ثقة أهلي فيَّ؟

كيف أستعيد ثقة أهلي فيَّ؟

أ. شروق الجبوري

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لديَّ مُشكلة مع إخوتي الذُّكور، فأنا البنتُ الوحيدة؛ لذا فأغلَب عمَل

البيت والمسؤوليات عليَّ، أنا فتاة كتوم وهادئة، أمَّا أمي فعصبيَّة

جدًّا لا تتفَّهم مشاكلي، إذا تحدثتُ معها في أمرٍ فإنها تستجوبني،

لذا لا أتحدَّث معها كثيرًا، تبحث في كلِّ فِعْل فعلتُه، وكأني مُخطِئة في كلِّ

التصرُّفات، لا أعرف كيف أرضيها؟ ولا كيف أتعامَل معها؟ فهي دائمًا تدعو عليَّ!

تعرفتُ على شابٍّ منذ أشهر، وكنتُ أحَدِّثُه هاتفيًّا، فعرفتْ أمي بالأمر،

وأخبرتْ أبي؛ فأخذوا مني الهاتفَ، ومنعوني مِن الاتصال به، فحاولتُ الانتحار!

ولكن الحمد لله لم يحدث شيءٌ، وسترها اللهُ!

أصبحوا حريصين عليَّ، وأشعر أحيانًا بنظرات احتقار مِن أبي، رغم مرور

سنة وأكثر على الحادثة، لقد تُبتُ وعرفتُ خطئي - ولله الحمد، ولكنهم لم

يُعيدوا إليَّ هاتفي إلى الآن، لا أعرف كيف أُعيد ثقتهم فيَّ، فلا أحد يتفهَّمني،

أصبحتُ أشعر بالوَحدة كثيرًا، هذه المشكلة الأولى.

المشكلة الثانية: أني لا أخبر أحدًا بمشاكلي، حتى تراكَمتْ عليَّ المشاكلُ والهمومُ،

وأصبح الضيقُ لا يُفارِقني حتى مع صديقاتي، فأنا غامضةٌ لا أحد يعرف

عني الكثير، أصبحتُ عصبيةً جدًّا، وأفرِغ جميع الطاقة السلبية بالصُّراخ على

أتفه شيءٍ مِن كثرة الضغوط النفسية التي أشعُر بها، انتهى بي كلُّ ذلك إلى الاكتئاب.

لا أعرف ماذا أفعل، بماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ندعو الله تعالى أن يُسخِّرنا في تفريج كربتكِ وكُرَب جميع المستشِيرين.

كما أودُّ أن أُشيدَ بما لمستُه فيكِ مِن وعيٍ وتقييمٍ جيِّدٍ لمشاعركِ،

وقدرة على الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، بل والإصرار على الثبات

على موقفكِ، بترْك الخطأ رغم انزعاجكِ مِن ردِّ فِعل أهلكِ، وهو ما يُشير

إلى اتِّسامكِ بالفكر السليم، ورغبتكِ في الارتقاء بنفسكِ،

والاستفادة مِن الأخطاء في تصحيح مسارِ حياتكِ.

ولذلك فإني لنْ أتحدَّثَ عما فات مِن الأخطاء؛ لأنكِ قد وصلتِ الآن إلى

المرحلة السليمة التي تعدُّ مِن أهم المراحل في علاج المشكلات،

وهي إقراركِ بالخطأ، واقتناعكِ التام بتَرْكه وتجاوُزه.

ولكي تكتمِل تلك المراحلُ، وتستثمري السمات الإيجابيَّة التي ذكرتها،

فإني أَنصَحكِ بأن تنظري إلى وضْعكِ مع أسرتكِ برؤيةٍ أخرى غير التي تُفكِّرين

بها الآن، فأهلُكِ يا عزيزتي رغم حرمانهم لكِ مِن الهاتف، لكنهم لم يمنعوكِ

مِن استخدام الإنترنت، وهو أمْر يُشير إلى أنَّ ثِقتَهم بكِ لم تنتفِ نهائيًّا

كما تشعرين، وأنَّ احتفاظَهم بهاتفكِ إلى الآن قد يُمثِّل رغبةً

منهم في إشعاركِ بأنَّ خطأكِ قد آلمهم.

ولذا فإنَّ أَفضل ردِّ فِعل على هذا الأمر، هو أن تأخذي قرارًا داخليًّا بأنكِ

ستَشغلين فكركِ وتملئين نفسكِ بأمور إيجابيةٍ عديدة يُمكنكِ القيام بها،

وأنكِ ستغيِّرين شخصيتك تمامًا بتغيير أيِّ صفة سلبية إلى ما يناقِضها

من صفة إيجابية؛ (ومنها مثلًا: العصبية إلى الحِلم)، وأنكِ ستبحثين في نفسك

عن قدراتكِ ومواهبكِ التي لا شك أنها كثيرة، وكرِّري تخيُّل نفسكِ مع تلك الشخصية

الجديدة الفَعَّالة، ليتكوَّن لديكِ دافعٌ شخصي نحو هذا التغيُّر، قبل أن يكونَ

لأجل تحسين انطباع أهلكِ عنكِ، وعندها سيكون قيامكِ بذلك بدافع أكبر،

بالإضافة إلى أنه سيَشغلكِ عنْ كثير من الجوانب السلبية التي تشتكين

منها في حياتكِ، ومنها تصرُّف أهلكِ، وبعد مرورِ فترة على ذلك ستشعرين

- بإذن الله تعالى - بتغيُّرٍ في أسلوب تعامُل أهلكِ معكِ؛ لأنهم سيَرَوْن بالواقع

إنسانةً جديدةً تتمتَّع بكثيرٍ من الصفات الحميدةِ.

كما أتمنى منكِ يا عزيزتي أن تتَّسمي بشيءٍ من الفراسة وقوة الملاحَظة

التي تجعلكِ تتعرَّفين على الأسباب التي تُثير غضبَ والديكِ، مهما رأيتِها يسيرة،

لتقلِّلي قدْر ما تستطيعين مِن مواقف غضبهم، فيتعزَّز لديهم شُعُورٌ بالتثقل

من إبداء انزعاجهم بأسلوب الغضب، واعلمي يا عزيزتي أن عبْءَ المسؤوليات

التي تحملينها اليوم، ستبني منكِ إنسانةً قويةً، وترفَع مِن ثقتكِ بنفسكِ،

كما تُشير الدراساتُ، خاصة إنْ فكرتِ بها على هذا النحو.

وأذكِّرك بأهمية التوجُّه إلى الله تعالى بالدعاء ليُصلِح ما بينكِ وبين أهلكِ،

فلا تنسَي أن قلوبهم وقلوب جميع عباده بين إصبعين مِن أصابع الرحمن.

وأخيرًا أختِم بالدعاء إلى الله تعالى: أن يُصلِحَ شأنكِ كله، ويشرحَ صدركِ،

ويفتح لكِ أبواب الخير وينفع بكِ، وسنكون سُعَداء بسماع أخباركِ الطيبة.

منقول للفائدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق