الجمعة، 1 مارس 2019

دور الأسرة في إنحراف الأولاد الأسباب والعلاج ( الجزء الرابع - 8 )

دور الأسرة في إنحراف الأولاد

الأسباب والعلاج

( الجزء الرابع - 8 )

4- الفــــــراغ

من العوامل الأساسية التي تؤدي غالباً إلى انحراف الولد

عدم الإستفادة من الفراغ الذي يتحكم في حياة الأحداث والمراهقين،

ومن المعلوم أن الولد منذ نشأته مولع باللعب ميال إلى المغامرة

محب للفسحة والتمتع بالمناظر الطبيعية، فنراه في حركة دائمة،

في اللعب مع من كان في سنه حيناً وفي ممارسة الرياضة تارة،

وفي اللعب بألعاب الكرة تارة أخرى.

والولد الذي يعيش في جو ملؤه الفراغ القاتل،

دون اهتمام من أب أو أم في مراعاة وضعه النفسي

والعمل على شغل فراغه، فإنه بلا شك يكون تحت أسر الوسواس

والأفكار النفسية، وربما سولت لـه نفسه القيام بعمل من الأعمال القبيحة

كالسرقة، أو إيذاء الآخرين، أو العبث في المطبخ،

أو محاولة الاطلاع على قضايا من شؤون الوالدين وربما تعاطي شيئاً

من المواد المخدرة، أو غير ذلك من مظاهر الانحرافات

التي يمكن أن يحدثها الفراغ.

وقد أثبتت الدراسات التي أجريت في المجتمع السعودي،

أن ظاهرة الجنوح والجريمة ترتبط بحجم الفراغ ونمط النشاط

الذي يمارس فيه، وأشارت إلى أن معظم المحكوم عليهم في الإصلاحيات

ودور الملاحظة الاجتماعية ودور التوجيه الاجتماعي بالمملكة،

كان لديهم أوقات فراغ كبيرة خلال اليوم، وأن معدل الفراغ عند بعضهم

يصل إلى نصف اليوم أو أكثر فقد تبين من دراسة عن متعاطي المخدرات

في إصلاحية الحائر بالرياض أن معظم المتعاطين 36% يشعرون

بوقت فراغ في اليوم يصل إلى

خمس ساعات فأكثر، وإن 73% من المبحوثين ذكر وبصراحة

أن وقت الفراغ عامل رئيس في تعاطي المخدرات

واتضح أنه كلما زادت ساعات الفراغ بالنسبة لأفراد العينة،

مال المبحوثون إلى الموافقة على أن وقت الفراغ

يؤدي إلى تعاطي المخدرات.

وأثبتت دراسة أخرى عن الإجرام أن وقت الفراغ لـه أثر واضح

وعلاقة أكيدة بالجرائم بشكل عام في المجتمع،

بصرف النظر عن نمط الجريمة المرتكبة فقد تبين أن 40.1%

من المحكوم عليهم بجرائم لديهم أوقات فراغ طويلة في اليوم تمتد

من 7-12 ساعة وهناك 35% من المجرمين يشعرون بفراغ طويل

أكثر من 12 ساعة يومياً.

العــــــــلاج:

الإسلام بتوجيهاته السامية، عالج الفراغ لدى الأطفال والمراهقين

بوسائل عملية تصح لهم أجسامهم وتقوى أبدانهم وتكسبهم قوة

وحيوية ونشاطاً.

فقد بين الإسلام أهمية الوقت في حياة المسلم وأنه كل شيء،

وهو رأس ماله الحقيقي الذي يحتاجه لدنياه وآخرته،

فهو أثمن ما يملك على الإطلاق؛

لأن الوقت هو الوعاء لكل عمل يقوم به الإنسان،

فكل الأعمال النافعة التي يحتاجها الإنسان في الدنيا والآخرة تفتقر إلى الوقت

لهذا يشير عليه الصلاة والسلام إلى أهمية الوقت ويحذر من إهماله؛

فعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( نعمتان مغبونٌ فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ )

وقد تفطن إلى هذه المعاني السلف الصالح من الصحابة والتابعين عليهم

السلام أجمعين، حيث كانوا يحرصون على أوقاتهم حرص غيرهم على المال،

ينقل عن ابن مسعود رضي الله عنه ذمه للفارغين من العمل فيقول:

[ إني لأبغض الرجل أراه فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا

ولا عمل الآخرة ]

وينصح ابن الجوزي -رحمه الله- فيقول:

[ ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته،

فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل ]

أسباب وجود الفراغ:

إن مشكلة الفراغ لدى كثير من شباب اليوم تعود في حقيقتها إلى الفراغ

الروحي وخواء القلب من كمال الإيمان الذي يشعر بالأنس والاطمئنان،

ولعل سبب نشوء هذه المشكلة يرجع إلى انعدام الهدف من الحياة،

وانعدام التصور الصحيح لهذه الحياة.

وقد دلت نتائج بعض الدراسات النفسية في هذا المجال على

أنه كلما قلت القيم الصحيحة المتصلة بالوقت ونقصت الاهتمامات،

وضعفت المهارات اللازمة لاستغلال أوقات الفراغ ازدادت فرص اليأس

والملل والاغترار والأنانية والعنف والجريمة والإدمان بين الشباب

على وجه الخصوص .

ومما يؤكد ما سبق أن نتائج الدراسات الإجرامية التي أجريت في المجتمع

السعودي تبين أن هناك إعراضاً من قبل الجانحين والمجرمين

عن ممارسة الألعاب والأنشطة الرياضية.

فمثلاً في الدراسات التي أجريت في إصلاحية الحائر بمدينة الرياض،

وشملت المحكوم عليهم من قضايا المخدرات والسكر والقتل والسرقة

والجرائم الأخلاقية، ثبت أن جميعهم لا يميلون مطلقاً إلى ممارسة

الأنشطة الرياضية.

وفي دراسة أخرى تبين أن هناك فئة قليلة 34.6%من مرتكبي الجرائم

يمارسون الأنشطة الرياضية.

سبل استغلال الوقت:

يجب على الآباء والأمهات أن يشغلوا فراغ أولادهم بما ينفعهم

فمن أعظم ما ينفعهم ويقضي على فراغهم تعويدهم على العبادات

ولا سيما الصلاة التي هي عمود الدين وقوامه وركنه الأساسي،

لما لها من الفوائد الروحية والمنافع الجسمية والآثار الخلقية والنفسية،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان

مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( خمس صلوات افترضهن الله تعالى،

من أحسن وضوءهن وصلاتهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن،

كان لـه على الله تعالى عهد أن يغفر لـه،

ومن لم يفعل ليس لـه على الله عهد إن شاء غفر لـه وإن شاء عذبه )

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم الآباء والمربين على أن يأمروا أولادهم

بالصلاة وهم أبناء سبع سنين حتى يعتادوها،

ويقضوا أوقات فراغهم في تعلمها والتدريب عليها فقال:

( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها

وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )

أخرجه أبوداود بلفظه عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده في السنن،

كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

ومن وسائل القضاء على الفراغ عند الأولاد تعليمهم فنون الحرب

والفروسية والسباحة والقفز والمصارعة وسائر أنواع الرياضة المفيدة

بشرط أن تكون متوافقة مع أحكام الإسلام وآدابه السامية،

وإليكم طائفة من توجيهات الإسلام في إعداد هذه الوسائل.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه:

( اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك،

وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك )

وعن عقبة بن عامر قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة:

صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به ومُنبِّله،

وارموا واركبوا وإن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا،

كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رميه بقوسه

وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق

ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها

أو قال كفرها )

كما أنه يجوز اللهو البريء الذي ليس فيه محرم،

فقد أخرج البخاري ومسلم أنه عليه الصلاة والسلام

قال للحبشة حينما أخذوا يلعبون بحرابهم في المسجد:

( دونكم يا بني إرفدة لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة )

ويجوز ممارسة جميع أنواع الرياضة بشرط أن تكون متفقة

مع أحكام الإسلام وآدابه السامية،

فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول:

( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف

وفي كل الخير...)

إلى غير ذلك من التوجيهات القيمة السامية التي لو أخذ المربون بها

لأكسبوا أولادهم صحة وعلمًا وقوة، ولحالوا بينهم وبين تفلتهم

وتشردهم وانحرافهم، ولملئوا فراغهم بما ينفعهم في دينهم

ودنياهم وأخرتهم، ولأعددهم ليكونوا جيل الإسلام وجنوده المغاوير

ودعاته الراشدين وشبابه العاملين.

وللحديث بقية إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق