الاثنين، 16 أغسطس 2021

موسوعة المؤرخين (109)

 

موسوعة المؤرخين (109)


عمر فروخ وجهوده في خدمة التاريخ الإسلامي (12)

*** الفرق بين أبطال المسلمين وقادة الغرب:

*** يرى عمر فروخ رحمه الله أن القادة الكبار العباقرة -حقًّا وصدقًا- منذ

كان العالم إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم، هم: خالد بن الوليد، وأبو عبيدة،

وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهـم، ومحمـد بن القاسـم، وموسى بن

نصير، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، ومحمد الفاتح، وأمثالهم

من الذين فتحوا البلاد شرقًا وغربًا، ثم بقيت آثارهم في السياسة

*وفي الحضارة ظاهرة فيما عملوا؛ ذلك لأنَّهم لم يقوموا بما قاموا به

اندفاعًا من طموحهم وغرورهم، بل لأنَّهم كانوا يلمحون مثلًا أعلى فَرَجَوْا

تحقيقه، وكانوا يرون حقًّا مهضومًا فأرادوا أن يُدافعوا عنه، إنَّ هؤلاء

كانوا معالم في موكب التاريخ الإنساني، ساروا فيه على هدىً وبصيرة،

فأصبحوا بأعمالهم جزءًا من تراث الإنسانيَّة كلِّها.

*** أمَّا الذين كانوا مثل الإسكندر المقدوني ونابليون في القدماء، ثم هتلر

وموسوليني في المعاصرين لنا، فيرى أنَّهم كانوا عباقرةً لأنَّهم فعلوا

في الزمن الأقصر ما لم يستطع كثيرون أن يفعلوه في الزمن الأطول،

ولكنَّهم ليسوا عباقرةً في فَنـيَّ الجنديَّة والحكم؛ لأنَّهم قدَّموا على مَذْبح

طموحهم وغرورهم تضحيَّاتٍ كبارًا كثارًا، ثم لم يُحدثوا سوى تبديل

جغرافي قصير عمره -على سعة مداه- قليل ظله، هذا إذا لم نذكر الأسى

الذي أدخلوه على النفوس الإنسانيَّة بين أبناء قومهم وبين غير

أبناء قومهم.

*** ويُوازن بين نابليون وخالد بن الوليد رضي الله عنه، فيقول:

*** "إنَّ المعارك التي خاضها نابليون وظفر فيها كانت محاولةً لإلقاء

صورةٍ من خياله على أرض هذا العالم، ثم ما لبثت هذه الصورة من خياله

أن زالت قبل أن يزول هو .. لنتخيَّل نحن الآن معركة اليرموك كما كانت

في ذهن خالد بن الوليد رضي الله عنه، يوم أعدَّ خالد بن الوليد

رضي الله عنه معركة اليرموك ثم قادها: إنَّها معركةٌ أزالت حضـارة

شائخة فاسـدة، ثـم جاءت بحضـارةٍ فتيَّةٍ صالـحة .. إنَّها معركةٌ جاءت إلى

العالم بوجوهٍ من الحضارة: في الدين، واللغة، والاجتماع، والثقافة، ثـم

ثبتت على وجـه الدهر. فإذا نحن جعـلنا خـالد بن الوليد -بما رأينا من نتاج

معاركِه في الحضارة- ثم قسنا بها معارك نابليون بونابارت من حيث النتائج أيضًا،**

*بدا لنا نابليون طفلًا كبيرًا يلهو في غفلةٍ من أهل زمانه

بتشويه معالم بيئته. فلمَّا تنبَّه أهل زمانه وأدركوا ما كان يعمل، ضربوا

على يديه، ثم أعادوا كلَّ شيءٍ إلى ما كان عليه، بعدئذٍ حجزوه حتى

*لا يعود إلى مثل ما كان قد فعل".

*** ويُبيِّن عمر فروخ رحمه الله أنَّ العمل الذي يقوم به البطل الفرد

مقطوعًا عن جهود قومه وأتباعه يزول بموت ذلك البطل، أمَّا إذا أشرك

البطلُ قومه معه وجعل من جهوده حركة اجتماعية، فإنَّ العمل الذي قام به

في حياته يبقى ويرسخ ويزداد قوَّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق