الأحد، 20 مارس 2022

التفاعل الزواجي

 

التفاعل الزواجي

يشكو بعض الأزواج من انعدام التواصل والتفاعل فيما بينهم، وانغماس

كل منهما في عالمه الافتراضي خاصَّة بعد فترة الحجز المنزلي الذي جعل

التعلُّق بالأجهزة الذَّكية يزدادُ مع مرور الوقت. ولا يدرك هؤلاء الأزواج بأنَّ

التفاعل عملية أساسيَّة في الحياة الزوجية، تدفع به نحو تحقيق مقاصده بأن

يكون سكنًا نفسيًّا وجسديًّا أو تعيقُه عن ذلك. فالتفاعل عبارة عن التَّأثير

المتبادل بين الزوجَين، ويكون سلبيًّا أم إيجابيًّا بحسب العمليات التي تتم

أثناءه وهي أربعة: الملاحظة، الإدراك، ثم التقييم فالاستجابة.


فـالملاحظة: وهي العمليَّة الأولى في التفاعل حيث تكون باستخدام

الحواس كعامل جذْب بعضِهما لبعض أو نفور بعضِهما من بعض. لذا فإنَّ

الاهتمام بالمظهر الحسن، الكلام الطيِّب، الرائحة الزكيَّة، من أهم العوامل

المؤثِّرة في التفاعل الإيجابي بين الزوجين. وممَّا ذكره ابن القيِّم عن دَوْر

الحواس في التفاعل الاجتماعي "العين والأذن والأنف إذا وقعت على حسن

أوصلته للقلب، فيحدث الانجذاب بين الزوجين، وإذا وقعت على ما هو قبيح

أوصَلته إلى القلب أيضًا، فيحدث النفور بينهما". ومن الخطأ الاعتقاد بأنَّ

الزوج غير مطالَب بالتطيُّب والتجمُّل لزوجته وأنَّ الأمر مقتصرٌ عليها فقط.

قال تعالى:

{ وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ }


ولنا في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسوَة حسَنة ، فكان أوَّل ما يفعله

عند دخول البيت أن يَستاك بالسِّواك. وها هو ابن عباس رضي الله تعالى

عنهما يقول: "إني أحبُّ أن أتزيَّن لامرأتي كما أحبُّ أن تتزيَّن لي" وهو حقٌّ

لها. وممَّا يروى أنَّ رجلًا أشعَث أغبَر دخل على سيِّدنا عمر رضي الله تعالى

عنه ومعه زوجته فقالت: "يا أمير المؤمنين لا أريد هذا الرجل"، -وقد كانت

لسيدنا عمر بصيرة المعالج النفسي في التعامل مع المشكلات الزواجية-

فأمره بالاغتسال وتهذيب شعرِه وتقليم أظافره، فلمَّا رأته زوجته وقد تغيَّرت

هيئتَه تراجعت عن طلبها. فقال عمر: "هكذا فاصنعوا لهنَّ فوالله إنَّهنَّ ليحببنَ

أن تتزيَّنوا لهنَّ كما تحبُّون أن يتزينَّ لكم".


ويطلق عليها أيضًا التعبيرات العاطفية وهي إمَّا لفظيَّة أوغير لفظيَّة،

ففيها إفصاح عن المشاعر حيث تتيح فرصة الاقتراب والتودُّد عوضًا عن

التباعد والتنافر. والتعبيرات العاطفية الإيجابية لها دور كبير في التخفيف من

الإجهاد الذي يؤثِّر على القلب والأوعية الدموية عند مواجهة أحداث الحياة

السلبية، فيكون التفاعل بناءً، عوضًا عن أن يكون مدمِّراً، وعاملاً مساعداً

على مواجهة ضغوطات الحياة.


أما العملية الثانية التي تلي الملاحظة فهي عملية الإدراك: مركزها العقل،

وهي عملية عقلية تتأثَّر بأفكار الفرد ومشاعره وميوله. فعندما يُلاحظ أحد

الزوجين سلوكيات الآخر يفهمها ويدركها بطريقته الخاصة وفقًا لحالته

النفسية وعلاقته به. ممَّا يدل على أنَّ التفاعل الزواجي هو مسألة ذاتيَّة لا يتم

بحسب السلوك الواقعي وإنما بحسب إدراك كل منهما لسلوك الآخر، أي فهمه

الخاص، لذا عليه أن يفصح عنها بصورة ملائمة ومرضية للطرف الآخر

لتحقق المزيد من المودة والتقارب بين الزوجين.


وبعد الإدراك تأتي عملية التقييم: حيث يتم إعطاء قيمة نفسيَّة، أي تقبُّل

أو رفض لسلوكيَّات الآخر من خلال ردود الأفعال، وذلك بحسب ارتياحه

وتقبُّله لها، وإشباعها لاحتياجاته الجسمية والنفسية. فإن كانت ردود الأفعال

محمَّلة بالمودة والتقبل دلَّت على تقدير تلك السلوكيَّات بشكل إيجابي والرغبة

في تكرارها وإلا فالعكس.


وأخيراً تأتي عملية الاستجابة: وهي ردود الأفعال وتتضمن الكلمات،

الحركات، الانفعالات وهي تنتج عن عمليات الملاحظة، الإدراك والتقييم

للسلوكيات. فإن كانت تلك العمليات سلبيَّة كانت ردود الأفعال سلبيَّة

وإلَّا فالعكس. لذا لا بدَّ من الحرص على تفهُّم ردود الأفعال كي لا يُقدِّم أحد

الأزواج سلوك معيَّن على أنَّه مقبول في حين أنَّه يؤدِّي إلى المزيد من التنافر

والتباعد بينهما. ومن الضرورة بمكان أنْ تحمل ردود أفعال الزوجَين المودَّة

والرحمة لا أن تكون مجالًا لتنفيس الانفعالات وتفريغ الشحنات السلبيَّة. وقد

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون مع أهل بيته حيث قال:

"خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي". وها هو أبو الدرداء يوصي

زوجته: إذا رأيتني غضِبْت فرضني، وإذا رأيتُك غضْبى رضيتك، وإلَّا لم

نصطحب"، وفي ذلك حثٌّ للزوجين على أن يكون عونًا للآخر كي يكون

التفاعل الزواجي إيجابيًّا يحافظ على الأسرة ويسهم في نمائها.


وأخيراً أقول:

إنَّ التفاعل بين الزوجين عمليَّة تساهم في الحفاظ على العلاقة الزوجية

وتسهم في إشباع الاحتياجات لكل طرَف، فعوضًا عن الشكوى والتذمُّر من

انغماس كل طرف بعالمِه الافتراضي، فليُبادر الأزواج إلى الاهتمام بعمليَّة

التفاعل وبذل الجهد لجذب الطرف الآخر كي يخرجه إلى العالم الحقيقي،

من خلال تنبيه الحواس، وأن يكون التنبيه إيجابيًّا يرضي الطرف الآخر كي

يتحقق معه الإدراك ثم التقييم فالاستجابة الإيجابية، ويجعل التفاعل بينهما

أكثر حيويَّة يسهم في تنمية العلاقة الزوجية، وتحقيق الاستقرار

النفسي والأسري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق