الاثنين، 20 مايو 2024

القواعد العشر في العتاب بين الأحباب 4

القواعد العشر في العتاب بين الأحباب 4

القاعدة الثامنة :

إحسان الظن مع التثبت، فتقديم إحسان الظن بين يدي المعاتبة؛
تقطع شوطاً كبيراً على طريق بناء الثقة، والتقدير، وزيادة الألفة والمحبة،
وهذا أدب قرآني سامٍ، لا يناله إلا الصالحون،
قال تعالى: ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) [ النمل 27] ،
وهو أدب نبوي راق، لا يعرفه إلا المحبون، مارسه الرسول-صلى الله عليه وسلم-بكل اقتدارٍ،
ومهارةٍ مع حاطب بن أبي بلتعة، ومع الأنصار يوم حنين؛ فأثمرت ثماراً يانعةً،
وأنواراً ساطعةً؛ بددتْ غيوم الشَّك، ووساوسَ الشِّيطان، الذي يجري من ابن آدم مجرى الدَّم.

فعن علي بن الحسين-رضي الله عنهما-: أنَّ صَفِيَّةَ زَوجَ النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ورضي الله عنها، قالت:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيتُه أزُورُه لَيلاً،
فحدَّثتُه، ثم قُمْت لأنْقَلِبَ، فقام معي ليقْلِبَني-وكان مَسكنُها في دارِ أسامَةَ بن زيدٍ-
فمرَّ رجلان من الأنصار، فلمَّا رأيا النبي-صلى الله عليه وسلم-أسرعا، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-:
على رِسْلِكُما، إنَّها صفيةُ بنتُ حُيَيّ، فقالا: سُبْحان الله! فقال:
إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرَى الدمِ، وإني خشيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبكما شراً، أو قال: شيئاً "

القاعدة التاسعة:
إياك والمعايرة، من الأخلاق الذميمة، التي تكشف عن سوء الطوية وخبث النفس؛
خلق المعايرة. فالذنب شؤم على المجتمع؛ ويوجد مشكلةً مع صاحب الذنب،
مع صديقه، مع أخيه، مع جاره، مع قريبه، صاحب المذنب، إن رضي بهذا الذنب؛
شاركه في الإثم، وإن ذكره للناس؛ فقد اغتابه، وإن عيَّره؛ ابتلي به.

ليس من أخلاق المؤمن أن يعيَّر بالذنب، المسلم يحب الله، ويحب طاعة الله،
ويبغض الشيطان، ويبغض أولياء الشيطان، لكن المؤمن، يملك قلباً مرهفاً،
ونفساً جياشة، لا تملك الحياء مع من يجترئ على محارم الله، فالحب في الله،
والبغض في الله؛ من أوثق عرى الإيمان، ولكن بعض الناس يشط،
فبدلاً من بغضه للمعصية وصاحبها؛ يعير المذنب، ويتعالى عليه،
جاء في الحديث عن جندب بن عبد الله-رضي الله عنه،
أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ:"أن رجلاً قال:
واللهِ، لا يَغْفِرُ الله لِفُلان، وأَنَّ الله تعالى قال: مَن ذَا الذي يَتَأَلَّى عليَّ أن لا أغْفِرَ لِفُلان؟
فَإِني قد غفرتُ له، وأَحبَطتُ عمَلَكَ ".

إياك أن تعيّر أحداً بذنبه؛ فقد يعافيه الله ويبتليك. انصح فيما بينك وبينه،
اشكر الله-عز وجل-أن عافاك من هذا الذنب، الذي وقع فيه أخوك،
ينبغي أن تشكر الله، وأن تدعو لأخيك، لا أن تعيره، لا أن تتعالى عليه،
لا أن تقوم مقام الشامت به، فلذلك من قواعد المعاتبة؛ أن تبتعد أشد البعد عن التعيير.

مرّ أبو الدرداء يوماً بأحد أحياء دمشق على رجل قد أصاب ذنباً، فكان الناس يسبّونه،
فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قَليبٍ ألم تكونوا مخرجيه؟ قالوا: بلى.
قال: "فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا : أفلا تبغضه ؟
قال: "إنما أبغض عمله، فإذا تركه؛ فهو أخي".

إذاً هذا الذي أذنب كأنه مريض، فحاولْ أنْ تكون طبيباً، لا شامتاً!
حاول أن تكون معلماً، لا معنِّفاً.

القاعدة العاشرة:

إياك والمبالغة أو التهوين. فتضخيم الخطأ، أو تصغيره؛
من الأخطاء الشهيرة عند العتاب، فإنك حين تعظّم الحقير؛ توغر الصدر،
وحين تحقّر العظيم؛ تفسد الأمر، ومن صفات العوام؛ أنهم يبالغون،
فالخطأ الصغير؛ يكبرونه إلى درجة وكأنه جريمة! والخطأ الكبير يصغرونه-
إن صدر من أحبابهم-وكأنه هفوة. والرسول صلى الله عليه وسلم حين علم
أن أسامة-رضي الله عنه-قد قتل رجلاً؛ بعد أن نطق بالشهادة
، اشتد في عتابه وإنكاره على أسامة فِعلتَه، حتى تمنى أسامة،
ألا يكون قد أسلم إلا في هذا اليوم. وعندما كسرت عائشة إناء صفية؛
لم يزد على قوله: " غارت أمكم "، وألزمها بضمان ما أتلفته، لم يزدْ في عتابه،
وتقريعه عن ذلك؛ لعلمه أن الغيرةَ بين النساء أمرٌ جِبِلِّيٌ.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق