أحدها
منْ مخالطته كالغذاء
لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه
ترك الخلطة،
ثم إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على
الدوام،
وهذا
الضرب أعز من الكبريت الأحمر: وهم العلماء بالله تعالى وأمره
ومكايد عدوه وأمراض القلوب
وأدويتها،
الناصحون لله تعالى
ولكتابه ولرسوله ولخلقه،
فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله
.
الثاني
من مخالطته
كالدواء
يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في
خلطته،
وهم من
لا يستغنى عنه مخالطتهم في مصلحة المعاش،
وقيام ما أنت محتاج إليه؛ من أنواع المعاملات
والمشاركات والاستشارة
والعلاج للأدواء ونحوها،
فإذا
قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم
الثالث
وهم من مخالطته
كالداء
على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه، فمنهم من
مخالطته كالداء
العضال، والمرض المزمن؛ وهو من لا تربح عليه في دين
ولا دنيا،
ومع ذلك فلا بد من أن تخسر عليه الدين والدنيا أو
أحدهما،
فهذا
إذا تمكّنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف،
ومنهم من مخالطته كوجع الضرس، يشتد ضربا عليك فإذا
فارقك سكن الألم،
ومنهم من مخالطته حمى الروح؛ وهو الثقيل البغيض
العقل،
الذي
لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد
منك،
ولا
يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصي
تنزل على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه،
وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك
يطيب به المجلس،
وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق
حملها ولا جرها
على الأرض، ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه
قال:
[ ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه
أنزل من الجانب الآخر ورأيت يوما عند شيخنا قدس الله
روحه رجلا
من هذا الضرب والشيخ يحمله وقد ضعف القوى عن حمله
فالتفت إلي وقال:
"مجالسة الثقيل حمى الربع
ثم
قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى فصارت لها عادة
]
أو كما
قال، وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح، فعرضية ولازمة،
ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا
الضرب
وليس
له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له
فرجا ومخرجا.
الرابع
من مخالطته الهلك
كله
ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق وإلا
فأحسن الله فيه
العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله
وهم أهل البدع
والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى
خلافها
{ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً }
فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة، والمعروف منكرا
والمنكر معروفا،
إن جردت التوحيد بينهم
قالوا:
تنقصت
جناب الأولياء والصالحين،
وإن جردت المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا:
أهدرت
الأئمة المتبوعين،
وإن وصفت الله بما وصف به
نفسه،
وبما
وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير
قالوا: أنت من المشبهين،
وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف
ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر
قالوا: أنت من المفتنين،
وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا:
أنت من أهل البدع المضلين،
وإن انقطعت إلى الله تعالى وخليت بينهم وبين جيفة
الدنيا قالوا:
أنت من الملبسين،
وإن
تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم
فأنت
عند الله تعالى من الخاسرين وعندهم من
المنافقين،
فالحزم
كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله
بإغضابهم،
وأن لا
تشتغل بإعتابهم ولا باستعتابهم، ولا تبالي بذمهم ولا
بغضبهم،
==============
عجيب هذا الأمام ابن القيم ( رحمة الله ) في تقسيمه
لأحوال الناس
وصفهم
ودقق في الوصف وكأننا نراهم رأي العين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق