عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه
قال
يا
رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني
الله
وأحبني الناس فقال:
( إزهد في الدُنيا يحبّكَ اللّهُ وإزهد فيما عند
الناسِ يُحبّك الناس )
(إبن
ماجه وغيره بأسانيد حسنة)
. ضرب الله تعالى أمثلة
عديدة للدنيا
{ كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ
فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ }
ـ ووصفها بأنها لعب ولهو وأنها متاع الغروروحذر منها
{ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
}
.ـ قال
عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أخذ رسول الله بمنكبي
فقال:
( كن في الدُنيا كأنكَ غريب أو عابرَ سبيل )
، وكان إبن عمر يقول:
إذا
أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء ، وخذ
من
صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك
قيل في شرح ذلك أن لا يتعلق القلب بالدنيا ، إلاّ كما
يتعلق الغريب في غير
وطنه حيث لا ينبغي له أن يشتغل بما لا ضرورة له.
والدار الآخرة هي
وطن المؤمن وليست الدنيا.
قال
سفيان الثوري:
الزهد
في الدنيا ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء ولكنه قصر
الأمل.
يحكى أن شيخا معروفا بالزهد كان يسكن في بغداد ، أتاه
أحد تلامذته
مستأذنا إياه بالسفر في حاجة إلى الشام ، فقال له إن
هناك رجلا صالحا
فيها ، فإذهب إليه وأقرئه مني السلام وإطلب منه أن
يدعو لي ، فتخيل
التلميذ في ذهنه حال ذلك الرجل أن يكون أزهد من شيخه
، فلما ذهب
التلميذ إلى الشام ، سأل عن الرجل فأرشد إلى قصر مهيب
فعجب أن يكون
الرجل المقصود هو صاحب هذا القصر ، ولما أستأذن على
الرجل وجده
محاطا بالأبهة والخدم ، لكنه وجده متواضعا كريما .
فلما أبلغه تحيات
الشيخ البغدادي ، سأله ألم يطلب شيئا قال بلى طلب أن
تدعو له ، فرفع
الرجل يديه إلى السماء وقال: أللهم أخرج حب الدنيا من
قلبه. فازداد
التلميذ عجبا على عجبه ، ثم ودّعه عائدا إلى بغداد.
ولما زار شيخه سأله
عن سفره وفيما إذا كان قد لقي الرجل الصالح ، قال نعم
ولكنه إستحيى أن
يخبره بمضمون دعوته ، فسأله الشيخ وهل طلبت منه أن
يدعو لي قال
نعم قال فما كانت دعوته قال قال اللهم أخرج حب الدنيا
من قلبه ، قال
صدق والله يا ولدي ، لايغرنك مظهر الزهد علي ، أترى
ما حولي من
المتاع
، فنظر التلميذ فلم يجد سوى حصير وإبريق ماء ورأى متاعا باليا
لا يكاد يؤبه له ، قال فإن قلبي معلق بهذا المتاع حتى
إني لأستيقظ في
الليل
ألتمس الإبريق خشية أن يكون قد سرق.
قال
الإمام أحمد بن حنبل:
الزهد
على ثلاثة أوجه: ترك الحرام وهو زهد العوام ، وترك الفضول من
الحلال وهو زهد الخواص ، وترك ما يشغل العبد عن الله
وهو زهد
العارفين .
وقال
الفضيل بن عياض:
جعل
الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في
بيت واحد وجعل مفتاحه
الزهد.
وقال
الحارث المحاسبي:
خيار
هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن
آخرتهم ،
ولذلك
كان الإمام علي رضي الله عنه يقول:
إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت
غدا .
أما الزهد فيما عند الناس فهوعدم الطمع بما في أيديهم
، والقناعة بما
قسم الله تعالى من رزق وعدم التكالب على الدنيا بجمع
الحلال والحرام
والشبهة ، بل تحرّي ما هو حلال خالص وإن كان قليلا
وقليل من يفعل
ذلك اليوم . وعلى المؤمن أن لا ينظر إلى من هو فوقه
في الأمور الدنيوية
بل ينظر إلى من هو دونه حتى يزداد شكرا لله تعالى ،
ولا ينظر في أمور
الآخرة إلاّ إلى من هو فوقه كي يُقتدى بهم فيزداد
تقوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق