الأربعاء، 9 مارس 2016

أشدُّ أنواع الظُلْم

 
قال تعالي :

{ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }
[ البقرة : 51 ]
 
إن أشدُّ أنواع الظُلْمِ أن تعبد غير الله ، أشد أنواع الظلم أن تشرك بالله ،
 أشد أنواع الظلم أن تعبد إلهاً صنعته بيدك ،
وهذا ما تجده في كثير من البلاد إلى الآن .
 
تدخل إلى معبد في الهند تجد صنماً ارتفاعه ثلاثون متراً
وأمامه أنواع منوَّعة من الفواكه ،
 تسأل : لمن هذه الفواكه ؟
يجيبونك : هو يأكلها في الليل ،
والحقيقة أن الكُهَّان يأكلونها في الليل ، هذا تراه الآن في عصر النور
والحضارة كما يدَّعون .
 
 حينما يؤمن الإنسان بالله يكون قد احترم نفسه ،
الإنسان حينما يكون عاقلاً يوحِّد ، يكون قد عرف قيمته كإنسان ،
يكون قد كرَّم نفسه
 
 
قال تعالي :

{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[ البقرة : 52 ]
 
 ماذا فعل هؤلاء ؟
 فعلوا أشدَّ أنواع الذنوب ، أشركوا بالله ، عبدوا عجلاً من دون الله ،
 صنعوه بأيديهم وعبدوه من دون الله ومع ذلك باب التوبة مفتوحٌ
على مِصراعيه ، تصوَّر لو لم يكن هناك توبة ليئس الإنسان من أقل ذنب ،
 لو ارتكب الإنسان ذنباً بسيطاً ولا توجد توبة لسمح لنفسه أن يرتكب ذنباً أكبر ،
 وهكذا إلى أن يفعل كل الذنوب والآثام ، وينتهي إلى النار ،
 لكنَّ رحمة الله كبيرة
 
قال تعالي :

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ
فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  }
[ البقرة : 54 ]
 
 أي أن الله أمر الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوا من عبد العجل جزاء ارتكابهم
أكبر ذنب في الدين ، وهو أن تُشرك ، لكن الله عزَّ وجل رَحِمَ
أمَّة محمِّد صلى الله عليه وسلَّم فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي هذا القتل ،
يكفي أن تقول : يا رب لقد تبت إليك ،
يقول لك : عبدي وأنا قد قبلت ،
هذه رحمةٌ كبيرة ، ولكن بني إسرائيل كُلِّفوا أن يقتلوا أنفسهم ،
 أن يقتل بعضهم بعضاً ، أن يقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل .
 
قال تعالي :

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ  }
[ البقرة : 55 ]
 
قال المفسِّرون :
[ هؤلاء هم السبعون الذين اختارهم موسى معه في المناجاة ،
حينما رأوا بعض المعجزات طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرةً ،
 والشيء الثابت هو أن الله سبحانه وتعالى هذه سُنَنَه لا تدركه الأبصار
في الدنيا ، في الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يرى الله جهرةً ،
ما رآه لا رسولٌ ، ولا نبي ، ولا صدِّيقٌ ، ولا ولي ،
 لأن طاقة الإنسان لا تحتمل رؤية الله عزَّ وجل ]
 
 يروي بعض المفسِّرين :
[ أنَّهم صعقوا ، ولكن الله امتنَّ عليهم أنه أحياهم من جديد بعد أن صعقوا
 ليتابعوا مسيرتهم مع سيدنا موسى . ]
 
 
قال تعالي :

{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  }
[ البقرة : 56 ]
 
يُروى أن رجلاً سيق إلى سيدنا عمر متلبّساً بسرقة فقال :
 [ والله يا أمير المؤمنين إنها أول مرَّةٍ أفعلها في حياتي   ،
 قال له : كذبت إن الله لا يفضح من أول مرَّة 
فكانت المرَّة الثامنة ، فالله عزَّ وجل يعطي مهلة ، هناك خطأ ،
 هناك معصية ، هناك تقصير يعطي مهلة إلى أن يُصِر على ذنبه .]
 
قال تعالي : 

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ }
[ البقرة : 57 ]
 
من النِعَم التي امتنَّ الله بها على بني إسرائيل شمس الصحراء لا تُحتمل ،
كانت تسير معهم غيمة أينما ساروا ،
 يقال أحياناً :
 "إذا أحبَّ الله قوماً أمطرهم ليلاً وأطلع عليهم الشمس نهاراً " ،
 
 تأتي أحياناً نسمات لطيفة في الصيف تلغي مكيِّفات ثمنها ألف مليون
 يقول : كم متراً غرفتك ؟ أنت تحسبها ، أربعة بثلاثة باثنين ونصف ،
يقول لك : إذاً تحتاج لاثنين طن ليتم التكييف الجيد ، ثمن الطن مئة ألف
 وهذه الغرفة لا يتم تكيفها بطن واحد ،
تأتي نسمات لطيفة من عند الله عزَّ وجل تلغي عمل المُكَيِّفات كلها ،

أحياناً نستورد أعلافاً بألوف الملايين ،
موسم مطير واحد يغني عن كل هذا الاستيراد ،
 
 قد نستورد بألوف الملايين قمحاً لنأكله ،
 موسم مطير واحد يُغني عن كل هذا الاستيراد ،
 
 فالله إذا أعطى أدهش ، وهو على كل شيء قدير .
 
 
قال تعالي : 

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[ البقرة : 63 ]
 
 يتابع الله جلَّ جلاله الحديث عن بني إسرائيل ، وقد بيَّنت لكم من قبل
 أن كل الأمراض التي وقع فيها بنو إسرائيل قد تزل قدم المسلمين
فيقعوا في مثلها ، فلذلك من الأسلوب الحكيم أن تُعْرَض علينا
 أمراض الذين من قبلنا كي نتعظ بغيرنا فلا نقع فيما وقعوا فيه ،
 
كل امتنانٍ من الله على بني إسرائيل في عهد موسى هو امتنانٌ
على ذريَّتهم في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم ،
لأن الكاف للخطاب .
 
 
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق