الأحد، 3 أبريل 2016

الاخلاق المذمومه " الحسد " ( الجزء الأول - 07 )

معنى الحسد لغةً واصطلاحًا  

معنى الحسد لغةً :  

الحسد مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه، حَسَدًا وحُسودًا وحَسادَةً،
وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته،
 أو يسلبهما، وحَسَدَهُ الشيءَ وعليه .

معنى الحسد اصطلاحًا:   
 
وقال الجرجاني :
 
[ الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد .]


وقال الكفوي :
 
[ الحسد : اختلاف القلب على الناس ؛
 لكثرة الأموال والأملاك . ]


وعرفه الطاهر بن عاشور فقال :

[ الحسد : إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير،
مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة،
 أو على مشاركته الحاسد ]


ذم الحسد والنهي عنه  

أولًا في القرآن الكريم
ثانيًا في السنة النبوية

أولًا : في القرآن الكريم :  


قال تعالى :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
 [ سورة الفلق ] .


 وقال تعالى :

 { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }
[ البقرة : 109] .


قال تعالى :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا }
[النساء : 54 ].


ثانيًا : السنة النبوية :  

عن أنس بن مالك رضي الله عنه ،
 أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

 ( لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا ،
 وكونوا عباد الله إخوانًا )


 قال ابن بطال :  

( وفيه : النهي عن الحسد على النعم ،
 وقد نهى الله عباده المؤمنين
عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض،
 وأمرهم أن يسألوه من فضله )


  وقال الباجي :  
 
( أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه،
فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة، فذلك الحسد ).


الفرق بين الحسد وبعض الصفات  

 الفرق بين الحسد والغبطة   

قال ابن منظور:
 
 [ الغبط أن يرى المغبوط في حال حسنة،
 فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه،
 وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له،
 وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود،
 وأن يزول عنه ما هو فيه ]


وقال الرازي :
 
[ إذا أنعم الله على أخيك بنعمة ؛ فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد ،
 وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة ]

وقد تسمى الغبطة حسدًا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود،   
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  

( لا حسد إلا في اثنتين :
رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق،
 ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها )

وقد فسر النووي الحسد في الحديث فقال :

[ هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره
من غير زوالها عن صاحبها ]


الفرق بين الحسد والمنافسة والمسابقة :  

قال ابن القيم : 

[ للحسد حدٌّ، وهو المنافسة في طلب الكمال،
والأنفة أن يتقدَّم عليه نظيره،
 فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود،
 ويحرص على إيذائه ]

 

وقال الغزالي : 

 (والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة ،
والذي يدلُّ على إباحة المنافسة قوله تعالى :

{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }
 [ المطففين : 26 ]،

وقال تعالى :

 ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ )
 [ الحديد : 21 ]،

وإنما المسابقة عند خوف الفوت ؛
وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما،
 إذ يجزع كلُّ واحد أن يسبقه صاحبه
 فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها   


وبيَّن الغزالي سبب المنافسة فأرجعها إلى : 

[ إرادة مساواته، واللحوق به في النعمة، وليس فيها كراهة النعمة،
 وكان تحت هذه النعمة أمران:
 أحدهما : راحة المنعم عليه،
والآخر : ظهور نقصانه عن غيره وتخلفه عنه،
 وهو يكره أحد الوجهين، وهو تخلُّف نفسه، ويحب مساواته له.
ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات ]

وقد تنافس الصحابة في الخير، وبذلوا أسباب الكمال؛   
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :   

( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق،
 فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر،
إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي،
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟
 قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده،
 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟
 قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا ) .

ولكن المنافسة في أمور الدنيا
تجر غالبًا إلى الوقوع في الحسد والأخلاق الذميمة،

 فعن عبد الله بن عمرو بن العاص  
 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  

 ( إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟
 فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله،
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون،
 ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون ).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :  

 ( والله لا الفقر أخشى عليكم،
 ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا
كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها،
 وتهلككم كما أهلكتهم ) .


وقد نبَّه على ذلك الرازي فقال : 

[ لكن هاهنا دقيقة؛
وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان:
 أحدهما : أن يحصل له مثل ما حصل للغير.
والثاني  أن يزول عن الغير ما لم يحصل له.
فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفكُّ
عن شهوة الطريق الآخر، فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة
تلك الفضيلة عن ذلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد المذموم،
وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير؛
 فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك ] .


الفرق بين الحسد والعين :   
 
العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد،
 ويكون الناظر خبيث الطبع

يشتركان في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق .

فالحاسد :  

قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه،
 ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود،
وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس.


والعائن :  

لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين،
وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله   .


قال ابن القيم :  

[ العاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء؛
 فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه؛
 فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته،
والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضًا،
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان،
 أو زرع، أو مال ]

 

وقال أيضًا :
 [ العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد
وأنه أعم فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا ] .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق