الثلاثاء، 7 فبراير 2017

طاعة الوالدين وتجنب الحرام

 
الســــؤال :
س: كيف أوفق بين خدمة وطاعة والدي وتجنب الحرام؟
 
الإجابة
ج: هذا السؤال يقتضي أن نذكر لك جوابًا مفصلاً بشأن معاملة الولد
 مع والديه ، وذلك في الأمور الآتية:
 
أولاً: قاعدة الشرع المطهر هي: أنه فرض عين على الولد البر بالوالدين،
 وطاعتهما في المعروف، والإحسان إليهما، وذلك بلين القول، والرفق،
والمحبة، والعطف عليهما، وإيصال النفع إليهما في أمور الدين والدنيا،
وخدمتهما، وصلة رحمهما وأهل ودهما، وهو من تمام الإحسان إليهما،
وهذا يشمل كل والد مهما علا، ومن الأجداد والجدات من كل ولد مهما
نزل من الأبناء والبنات، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، والأدلة
عليه كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع،
قال الله تعالى:
 
{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
 
 وقال سبحانه:
 
 { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
 
وهو وصية الله إلى عباده؛
كما قال عز من قائل:
 
 { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ }
 
 إلى أن قال سبحانه:
 
{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
 
 وفي الحديث المتفق على صحته
عن أبي هريرة رضي الله عنه،
 أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
 
( يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال:
ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال:
أبوك زاد مسلم : ثم أدناك أدناك .)
 
ولهذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريم عقوقهما أو إيصال أي
أذى إليهما، وهذا مما أجمع المسلمون على تحريمه، وأنه من أكبر
الكبائر، وأشد المآثم، ومن العقوق: ترك البر بهما، والملل والضجر،
والغضب والاستطالة عليهما، وبخاصة في حال كبرهما.
نسأل الله السلامة والعافية.
 
ولهذا أيضًا فإنه على تقدير الإساءة من الوالد لولده فإنه لا يجوز للولد
المقابلة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة؛
 عملاً بقول الله تعالى:
 
{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
 
والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما
ولقول الله تعالى:
 
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
 
ثانيًا: طاعة الوالدين في المعروف واجبة على ولديهما ما لم يأمرا
بمعصية، فإذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
لقول الله تعالى:
 
 { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ
 لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا }
 
 وقوله سبحانه:
 
 { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
 فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }
 
 وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
 
( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )
رواه الإمام أحمد .
 
ولهذا فإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية من شرك بالله عز وجل،
أو شرب خمر، أو سفور، أو تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم
ونحو ذلك من المعاصي، أو أمر الوالدان ولدهما بترك فرض من الصلوات
الخمس المفروضة، أو عدم أدائها من البنين في المساجد، ونحو ذلك مما
أوجبه الله على عباده - فإنه لا يجوز للولد طاعتهما في شيء من ذلك،
ويبقى للوالدين على الولد حق الصحبة بالمعروف والبر، من غير طاعة
في معصية أو في ترك واجب، أما ما يتعلق بطاعتهما في الأمور المباحة
والعادية، وفي أمر التزويج والطلاق، فهذا يعود إلى تقدير المصالح
والمضار والمقابلة بينها، فإذا أمر الوالدان ولدهما بشيء من ذلك منعًا
أو إيجابًا، والمصلحة في مخالفتهما فلا حرج على الولد في ذلك، بلطف
وحسن معاملة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم
ولا يكون الولد عاقًّا بذلك، وإذا كانت المصلحة راجحة في طاعتهما
 في شيء من ذلك ففي طاعة الولد لهما الخير والبركة والبر والإحسان،
والوالدان هما أولى الناس بنصح ولدهما والحرص على نفعه.
 
ثالثًا: على الولد إذا رأى من والديه انحرافًا في دينهما ؛ كالتهاون
في الصلوات، وارتكاب المحرمات، وكسب المال الحرام، أن يبذل النصح
لهما بأداء حق الله عليهما، والتزام شرعه المطهر، ويكون ذلك بالرفق
واللين، مع الدعاء لهما بالهداية، ويحسن التعاون مع من يساعده من
قريب أو صديق فيما يصلح الحال، فإن حصلت الاستجابة فالحمد لله،
وإلا فيستعين الولد بالله ويجتنب كسبهما، ومساكنتهما، ويبقى على
مصاحبتهما في الدنيا معروفًا متبعًا سبيل من أناب إلى الله تعالى،
ولا يعتبر ذلك عقوقًا، لكن لا يجوز أن يحمله ذلك على عقوقهما
والقطيعة لهما.
 
و بالله التوفيق ،
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق