السبت، 23 سبتمبر 2017

قلت له : إن الدعاء ليس هو الحل

د. جاسم المطوع

استوقفني شاب وقال : لماذا لم يستجب الله للمسلمين على الرغم من كثرة دعائهم

بأن يخلصنا الله من الظالمين وأفعالهم ومن اليهود وأعوانهم

ومن الكفار وأنصارهم ؟ ، هكذا بدأ حواره معي

فقلت له : إن للنصر والتمكين أسباباً ، والدعاء لا يأتي في المرتبة الأولى

وإنما الدعاء يكون في المرتبة الثانية ،

فقال : وما الذي يأتي في المرتبة الأولى إذن ؟

قلت : العمل ، قال ولكن الدعاء هو الأساس وهو المخلص لنا من كل المآسي

والكربات ، وقد قال تعالى :

{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }

قلت: نعم إن الآية التي ذكرتها صحيحة ، ولكن معناها مختلف عن المعنى

الذي استشهدت به ، فالله لا يستجيب لعبده الكسلان أو النائم

أو الذي لا يأخذ بأسباب العمل والإنجاز ،

وقد رأى الإمام الحسن البصري رحمه الله رجلا يلعب بالحصى بيده

ويدعو الله أن يرزقه الحور العين ، فقال له:

يا هذا تدعو الله الحور العين وتلعب كما يلعب المجانين ؟

قال: إن هذا لمفهوم جديد علي، وأنا في اعتقادي أن الدعاء هو كل شيء ،

قلت: دعني أسألك سؤالا إننا ولأكثر من خمسين سنة

ونحن ندعو الله أن يحرر فلسطين أو يخلصنا من أزمة اقتصادية

أو ينقذنا من تسلط الأعداء علينا، ولكن ما هو العمل أو الإنجاز الذي قدمناه

مقابل ذلك ؟ فقد قال تعالي

{ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ }

ولم يقل إن تدعوا الله ينصركم

قال: وهل نلغي الدعاء من الأسباب ؟

قلت: لا وألف لا.. ولكن الدعاء يأتي في المرتبة الثانية لا الأولى ،

فالأساس العمل والتخطيط والحركة ثم الدعاء وهذا ما نراه

في كل أفعال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

إذا كان الآخرون يخططون ويحسنون التعامل مع سنن الكون وقوانين النجاح

وقيادة الناس وتوجيههم ، ونحن نواجه تمكنهم ونصرهم علينا بالدعاء فقط

فإن المعركة غير متساوية ولا متكافئة ، ولهذا هم ينتصرون علينا اليوم ،

ثم سكت الشاب وهو ينظر إلي .. فقلت له : وما بك سكت ؟ قال : أفكر..

وتأمل معي ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر،

فبعدما حدد الموقع وأخذ بالأسباب ونظم الجيش وحمسهم للنصر،

توجه إلى الله بالدعاء ، وكذلك فعل في غزوة الخندق بعد أن حفر الخندق

ونظم الجيش ووضع الخطة توجه إلى الله بالدعاء وهكذا في كل المواقف والأحداث ،

ثم التفت عليه وقلت : وإني أسألك ما هو العمل الذي عملناه

قبل أن ندعو الله الخلاص من مشاكلنا ؟

قال : إن المفهوم الذي تتحدث عنه مهم جداً

قلت : نعم، وهو مما يتعلق بفهمنا للقدر، وأذكر من الطرائف في هذا الشأن

ما ذكره الشيخ الغزالي - رحمه الله - عندما صلى الجمعة خلف إمام دعا

اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بين أيديهم سالمين

فقال الشيخ الغزالي للإمام بعد الخطبة :

إذا أهلك الله الظالمين بالظالمين .. فما هو دورنا نحن إذن !

إذا كان الآخرون يخططون ويحسنون التعامل مع سنن الكون وقوانين النجاح

وقيادة الناس وتوجيههم ، ونحن نواجه تمكنهم ونصرهم علينا بالدعاء فقط

فإن المعركة غير متساوية ولا متكافئة ، ولهذا هم ينتصرون علينا اليوم ،

ثم سكت الشاب وهو ينظر إلي .. فقلت له : وما بك سكت ؟

قال : أفكر.. قلت : دعني أقرب لك الموضوع أكثر وأضرب لك مثلا

في قصة يوسف عليه السلام ، عندما عرض الملك رؤياه التي رآها بالمنام

على يوسف ، فأخبره بأن مصر ستقدم على مجاعة ،

فما موقف سيدنا يوسف أمام هذه الاستشارة ؟

هل نصحه بالدعاء لحل المشكلة الاقتصادية ؟

أم أنه أقترح عليه اختيار صاحب الخبرة والكفاءة لإدارة الأزمة !

ثم قدم نفسه لهذه المهمة قائلا :

{ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }

قال: بل طلب منه تحمل المسؤولية والعمل ،

قلت : وهذا ما قصدت أن أقوله لك، ومن ثم استعان بالدعاء بعد الخطة والعمل ،

وهذا المنهج الذي نحتاجه نحن اليوم لنساهم في تمكين الإسلام ونصرة المسلمين .

ثم ابتسم الشاب وقال: شكراً جزيلاً لقد بثثت في نفسي الحماس للعمل الآن .

قلت : ولا تنس الدعـــاء بعـــد ذلـك وأنت تعمل ،

فإن الدعاء كذلك عمل وبذل للاسباب ، فالدعاء أكرم شيء على الله

فالعمل والدعاء هما أساس التوفيق والنجاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق