الثلاثاء، 17 يوليو 2018

تصديق كلام العرافين والسحرة


تصديق كلام العرافين والسحرة

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال

♦ الملخص:
امرأة دخل زوجها في شراكة مع شخص، وقد رفض أهلُ زوجها هذا
الأمر، وذهبوا إلى أحد الدجَّالين، فأخبرهم أن هذا الشريك سيأخذ كل المال،
وسيُزوِّجه وسيَجعله يُطلِّق زوجته، وقد صُعِقت المرأة من هول هذا الكلام،
وأُصيبتْ بالوساوس والقلق، وهي مترددة في إخبار زوجها بالأمر،
وتريد النصيحة.

♦ التفاصيل:
أنا امرأة متزوِّجة منذ ثلاث سنوات، وعندي طفلة، ولله الحمد والمنَّة،
أعيش في وُدٍّ واستقرار وهناءٍ، وتفاهمٍ مع زوجي، أسأل الله دوامَ الحال.

بدأت مشكلتي عندما دخل زوجي في شراكة عملٍ مع أحد الأشخاص،
وتسلَّم هذا الشخص العملَ، وكان زوجي يتفقَّده مِن حينٍ لآخَرَ،
ولا يذهب بصورة مستمرة إلى العمل، ومِن ثَمَّ زاد وجوده في البيت؛
مما أزعج عائلة زوجي التي كانت رافضةً لهذه الشراكة منذ البداية.

عائلة زوجي تؤمن إيمانًا شديدًا بالدَّجل والشعوذة، ومِن ثَمَّ فقد ذهبوا
إلى أحد العرَّافين، فأخبرهم أن هذه الشراكة فاسدة، وأن شريك زوجي
سيأخذ كلَّ شيءٍ منه، وسيُزوِّجه بفتاةٍ، وأنه سيُطلِّقني، وسيَندَم كثيرًا
على هذه الشراكة، وقد أخبرتني بذلك أُخت زوجي سرًّا - لأنهم تواصَوا
فيما بينهم ألَّا يُخبروني؛ لأنهم يعلمون أني لا أُؤمِنُ بالدجل والكهانة
والشعوذة - فكدتُ أقع على الأرض مِن هَول ما سمِعتُ.

أصبحتْ تصرُّفات عائلة زوجي غريبة، فتَخوُّفُهم وقلقُهم المبالَغ
فيه على ابنهم، يُزلزل كِياني ويُوتِّرني، وقد نجَحوا في إقلاقي وإدخال
الوساوس إلى عقلي، فبِتُّ أشكُّ في تصرُّفات زوجي، وخفتُ أن يفاجِئَني
يومًا بزواجه ويُطلِّقني، وماذا سيحصل حينها؟! وإلى أين أذهَب بابنتي؟!

صرت أتخبَّط في أعمالي وأنسى كثيرًا، واشْتَبهت الأمور عليَّ، وتذكَّرتُ
أنهم قد ذهبوا في السابق إلى عرَّافٍ، فأخبرهم أنه ستحصُل لي مشكلات
مع زوجي، وسيَفقد عملَه.

هل يُعقَل أن يكون كلٌّ مِن العرَّافَيْن قد قال تقريبًا الكلام نفسَه؟!
وقد فكرتُ أن أُخبر زوجي بما يَحصُل معي، لكني مترددة، أنا أتعذَّب
ولا أَعرِف طعمًا للنوم والطعام.
انصَحوني بارَك الله فيكم
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن
والاه، أما بعدُ:
هداكِ الله أيتها الابنة الكريمة، فلا أدري سببًا معقولًا يدفعكِ لجلب الشرِّ
لنفسك بالوهم المحض، فقد استبدلتِ الأدنى بالأعلى، فبعدما كنتِ تعيشين
في استقرارٍ وهناءٍ، خيَّم القلق والخوف عليكِ، وصرتِ كمَن كذَب الكذبة
وصدَّقها، حتى سقطتِ في حفرة الشكِّ، ولا أجد لك مثلًا إلا ما يُحكى في
كتب الأدب عن (جُحا) لَمَّا لحِق به الصغارُ، وأراد أن يَصرِفَهم عن نفسه،
فقال لهم كذبًا: ألا تعلمون أن في بيت فلانٍ وليمةً كبيرةً، والكلُّ مَدْعُوٌّ،
فلما ذهبوا مُسرعين، قال لنفسه: ربما كان هناك وليمةٌ حقًّا، فلا
يَسبقونني إليها، فانتحَل الكذبة وصدَّقها!

فأنتِ - هداكِ الله - تعلمين قُبح الذَّهاب إلى الكهنة والعرَّافين، وأن
تصديقَهم فيما يدَّعون أشدُّ إثمًا وقُبحًا، ولا أَظنُّ أنه يَخفى عليكِ أن
ادِّعاء علم الغيب، وتعاطي الأخبار عن المستقبل - مِن الكهانة التي
تُخرج صاحبَها مِن الملَّة، ولا يكون ذلك إلا مِن إيحاء الشياطين؛
كما في الصحيحين أن أبا هريرة يقول: إن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم
قال:
( إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا
لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا:
مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا
مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ – وَوَصَفَ
سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا، وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى
مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِر
ِ أَوِ الكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ
يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا:
كَذَا وَكَذَا، فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ ).

وروى أحمدُ في مسنده وأبو داود عن أبي هريرة والحسن عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( مَن أتى كاهنًا أو عرَّافًا، فصدَّقه بما يقول، فقد كفَر بما أُنزل على محمد ).

فاصرِفي عنك تلك الوساوس، وتُوبي إلى الله تعالى من تصديق الكُهَّان،
وخُذي نفسك بالحزم والقوَّة، واحذَري خُطوات الشيطان، وأقبِلي على
زوجك وابنتك، ودَعِيكِ مِن الوهم، وابتعدي عن كلِّ ما يَجرُّك إلى تصديق الكُهان
من أهل زوجك، بعد أن تقومي بواجب النُّصح لهم، وتذكيرهم بالتوبة
إلى الله، والإقلاع عن الذَّهاب إلى السَّحرة، ويُمكنك أن تستعيني ببعض
الموادِّ المقروءة أو المسموعة في شبكة الألوكة في التحذير من فتنة السَّحَرة.
أسألُ الله أن يتوبَ علينا أجمعين، وأن يُصلح أحوال المسلمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق