السبت، 21 يوليو 2018

كيف نحل مشكلة أخي؟

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال

♦ الملخص:
شابٌّ لديه أخٌ عليه ديونٌ كثيرة، ولا يُريد مشاركة إخوته في أموره
مع تفاقُمِها، ومن كثرةِ إلحاح الأهل عليه لمشاركته قام باستئجار
شقةٍ، ويريد تَرْك بيت الأهل والاستقلال بنفسه.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ في الثلاثينيات مِن عمري، منذ عامٍ حدثتْ مشكلة ماديةٌ لأخي الأوسط،
وتكاتَفْنا كلنا لحلِّها، وما زِلْنا في المشكلة، وكانتْ هذه المشكلةُ
سببًا في جَعْل أخي لا يُشاركنا مشاكلَه؛ حتى لا يُحَمِّلنا فوق طاقتنا!

منذ ذلك الوقت وأخي في صراعٍ نفسيٍّ شديدٍ، ولا يُصارحنا بمشاكله؛
بل يَزْدادُ غضَبُه عندما نسأله عن مشاكله، ويُقلقه أكثر تدخُّل الأهل،
وما سؤالهم عنه إلا بسبب قلقهم الزائد عليه.

ومع أني أرى أن تدخُّل الأهل أمرٌ طبيعي؛ فعاطفة الأمومة والأبوَّة
تقتضي ذلك، ومع أننا حاولنا إقناعه بطبيعة الأمر، فإنه غيرُ مقتنعٍ!

حساسية أخي لم تقفْ عند الوالدين، بل تَعَدَّتْ إليَّ، وأزْعَجَهُ
سؤالي عنه، ويرى ذلك تدخلًا في حياته.
فجأةً قام أخي باستئجار شقةٍ، ويريد تجهيزها والانتقال إليها،
لكن الجميع يُخالفه في ذلك؛ نظرًا لخطأ التوقيت وكثرة الديون!
أخبِروني كيف أتصرف معه؟ وهل من حقنا كأسرةٍ أن نُجْبِرَه على
ألا ينتقل إلى شقته التي استأجرها؟
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه
ومَن والاه، أما بعدُ:
فجزاكَ الله خيرًا أيها الأخُ الكريمُ على كَرَمِ أخلاقِك، وعلى تلك
المَسؤوليَّةِ التي تتَّصِفُ بها، وشَكَر اللهُ لوالدَيك على تلك التربيةِ الجيِّدةِ،
التي غَرَسَتْ فيك الشُّعورَ الجادَّ الإيجابيَّ تُجاه إخوتِك.

أمَّا بالنسبة لمشكلةِ أخيك، فهي في الحقيقةِ يسيرةٌ، وأنا أرى هذا
لكَوْني خارجًا عن إطار الأزمةِ، ولا تنْسَ أنَّ الناقدَ بَصيرٌ.

في ظني أنَّ السببَ الأكبرَ، الذي عقَّدَ الأمورَ، هو: شِدةُ الحُنُوِّ،
وكثرةُ الاهتمامِ بأخيك، كما قيل:

مَن غُصَّ داوَى بِشُرْبِ الماءِ غُصَّتَهُ
فكَيْفَ يَصْنَعُ مَن قَدْ غُصَّ بِالمَاءِ؟!
فالحنوُّ والمشاركة الإيجابية وأداء الحقوق وغيرها من وشائج
الأخوَّة، صارتْ في حق أخيك داءً حتى أصبح يُفَسِّرُه بالتدخُّل في الخصوصية،
ولعل عنده بعضَ الحقِّ؛ فكثيرٌ مِن الناس لا تنتفع بأُخُوَّتِه
ولا بصداقته إلَّا بأَخْذِ عدة خطوات للوراء، وبدون تلك المسافات
الشعورية لا تنتفع به وتنتهي الصداقةُ، أو تَتَقَطَّع الأرحامُ؛ حتى بعضُ الأزواج
لا ينتفع بعضُهم ببعضٍ، إلَّا مع وُجودِ تلك المسافة الشُّعوريةِ والحِسِّيَّةِ أحيانًا.

فانتَبِهْ لهذا؛ لتَتَمَكَّنَ مِن الحفاظ على أخيك، فبدلًا مِن أن تسألَ عنه
كلَّ يومٍ، اجعلْ سؤالك كل يومينِ أو أكثرَ، حسَبَ المصلحة، ولا تُكثِرْ
مِن الاطمئنانِ على أحوالِه وخصوصياته حتى يُخْبِرَك هو، وهكذا؛
لأنه يُفَسِّرُ ذلك القُرْب بالتدخُّل فيما لا يَجوزُ إظهارُه!

وهذا هو السببُ في بَحْثِه عن سَكَنٍ بعيدٍ عنكم؛ طلبًا للخُصُوصيَّة،
فلا تُحاوِلُوا منعَهُ؛ لأنَّ هذا سيَزيدُ الأمورَ تعقيدًا، وإنما عليكم عَدَمَ
التعجُّل، واتْرُكُوه وشَأْنه؛ فهو شابٌّ كبيرٌ وعاقلٌ ومُؤاخَذٌ بتصرُّفاته،
وبعد مدَّةٍ مِن الزمان - طالتْ أو قَصُرَتْ - سيقف مع نفسِه، وسيَعْرِفُ
ما يجب عليه فِعْلُه.

الأخ الكريم، أعْلَمُ أنَّ ما ذكرتُه لك يَسْهُلُ عليك فِعْلُه، وإنما المشكلةُ
الحقيقيَّة في استجابةِ الوالدَين، وهذا يُوجِبُ عليك أن تُبَيِّن لهما أن
المَصْلَحَة تَقْتَضِي هذا، وأنَّ عليهما الصبرَ، وتركه وشأنه، وإعطاءَه
الفرصةَ لِمُراجَعة النفس.
أسأل الله أن يُؤَلِّفَ بين قُلُوبكم، وأن يُلْهِمَ أخاك الرُّشْدَ والسَّدادَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق