الأربعاء، 10 يونيو 2020

شرح الدعاء (56)


شرح الدعاء (56)


(اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ،
وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)([1]).

المفردات:

لفظ الحديث: (دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلاَ تَكِلْنِي
إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ).

المكروب: أي المغموم والمحزون، والكَرْب بالفتح فسكون:
ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه و يغمَّه و يُحزنه([2]).

والفرق بين الكرب والحزن: أن الكرب حزن مع شدة([3]).

الشأن: الأمر والحال([4]).

الشرح:

هذه الكلمات الواردة في الحديث كلمات إيمان، وتوحيد، وإخلاص للَّه
عز وجل وبعد عن الشرك كله، كبيره وصغيره، وفي هذا أوضح دلالةً على
أن أعظم علاج الكرب, هو تجديد الإيمان، وترديد كلمات التوحيد
(لا إله إلا أنت)؛ فإنه ما زالت شدَّة، ولا ارتفع همٌّ ولا كربٌ بمثل توحيد اللَّه،
وإخلاص الدين له، وتحقيق توحيد العبودية له عز وجل التي خُلق الخلق من
أجلها، فإن القلب عندما يُعمر بالتوحيد والإخلاص، ويُشغل بهذا الأمر العظيم،
الذي هو أعظم الأمور، وأجلها على الإطلاق، تذهب عنه الكُربات، وتزول
عنه الشدائد، والغموم خاصة إذا فُهِمَتِ المعاني، وعُمل بالمقاصد، فإن يونس
عليه السلام ما أزال اللَّه عنه الكربات إلا عند قوله:
{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}([5]).
قال النبي صلى الله عليه وسلم
(ألا أخبركم بشيء: إذا نزل برجل منكم كرْبٌ، أو بلاء من بلايا الدنيا، دعا به
يُفرج عنه ؟ فقيل له: بلى , فقال: دعاء ذي النون)([6]).

و قولهصلى الله عليه وسلم (دعوات المكروب):
أي الدعوات النافعة المزيلة للمكروب المغموم .

(اللَّهم رحمتك أرجو): في تأخير الفعل (أرجو) دلالة على الاختصاص([7])،
أي نخصّك وحدك برجاء الرحمة منك، فلا نرجوها من أحد سواك،
وتخصيص السؤال بصفة الرحمة؛ لأنها وسعت كل شيء قال تعالى:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}([8])، فرحمته تعالى وسعت كل جزء
وذرة في هذا الكون العظيم، ومنها عبيده .

قوله: (فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين):
فيه شدة الافتقار، والاحتياج إلى مولاه وخالقه عز وجل وأنه لا غنى له
عن ربه طرفة عين في كل شأن من شؤونه،

وقوله: (طرفة عين) خارج مخرج المبالغة. أي ولا لحظة واحدة.

قوله: (وأصلح لي شأني كله): فيه سؤال اللَّه تعالى أن يصلح كل أحواله
وشؤونه وأموره في كل جزئيةٍ من جزئياته، وكل جانب من جوانبه
في حياته، وبعد مماته كما دلَّ قوله: (كله).

ثم ختم بأحسن وأعظم الكلم (لا إله إلا أنت) إقرار، وإذعان، وإشهاد
بالوحدانية الحقَّة [من الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات] للَّه تعالى،
وفيه إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب, ويزيل همّه وكربه، إذا كان
مع حضور وشهود، ومن شهد للَّه تعالى بالتوحيد والجلال، مع جمع الهمّة
وحضور البال، فهو حريٌّ بزوال الكرب في الدنيا، والرحمة، ورفع الدرجات
في العقبى)([9]) .

ودلّ هذا الدعاء المبارك على أهمية التوسل بصفات اللَّه تعالى في كل ما
يرجوه العبد ويخافه، وخاصة صفة الرحمة؛ فإن لها تأثيراً عظيماً
في تفريج الهموم والغموم.

قوله: (اللَّهم رحمتك أرجو)؛
فإن من مقتضيات رحمته تعالى، وثمراتها الإحسان والإنعام،
وزوال الأوهام والأحزان .

([1]) أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم 5090، وأحمد،
34/ 75، برقم 20430، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 250،
وفي صحيح الأدب المفرد، 260، وقد حسن إسناده أيضاً العلامة ابن باز
في تحفة الأخيار، ص 24.

([2]) فيض القدير، 3/ 526.

([3]) العلم الهيب في شرح الكلم الطيب، ص 335.

([4]) المصدر نفسه.

([5]) سورة الأنبياء، الآية: 87.

([6]) أخرجه النسائي في الكبرى، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة،
6/168، برقم 10416، الحاكم، 1/505 ، رقم 1864، والدعوات الكبير
للبيهقي، ص 125، وابن عساكر، 45/38، وصحح إسناده الألباني في
سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4 / 243. وانظر: العلم الهيب، ص 339.

([7]) العلم الهيب، ص 339.

([8]) سورة الأعراف، الآية: 156.

([9]) فيض القدير، 3/ 526.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق