الخميس، 11 يونيو 2020

شرح الدعاء (57)


شرح الدعاء (57)


(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ،
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)([1]).

المفردات:

العظيم: هو اسم جليل لربنا عز وجل يدلّ على عظمة الذات، والصفات لله جلَّ
وعلا، وهو من صفات الذات والفعل كذلك، دلّ عليه قوله تعالى:
{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّه أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّه يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}([2]).

الكريم: هذا الاسم للَّه تعالى يدل على سعة خيراته وفضائل كرائمه التي
لا تحد ولا تعد فهو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، فمن كمال
كرمه تعالى أنه تعالى يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما فارغتين
دون عطاء، وهو يدل على صفة الذات والفعل .

الحليم: وهذا الاسم يدل على الصفح والأناة، فاللَّه تعالى لا يعجل العقوبة
على عباده مع كثرة ذنوبهم و عصيانهم، بل يرزقهم ولا يحبس أفضاله
عليهم، وهو من صفة الأفعال .

العرش: هو سرير الملك وهو أعظم المخلوقات، فوق جميع العباد استوى
عليه تعالى استواء يليق بجلاله وعظمته، واستوائه جل وعلا من صفاته
الفعلية التي تتعلق بمشيئته [فاستواؤه على العرش معلوم، والإيمان به
واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة]، أما علوّه تعالى فهو
من الصفات الذاتية.

الشرح:

هذا حديث عظيم جليل القدر، ينبغي الاعتناء به، والإكثار منه عند الكرب،
والأمور العظيمة، قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه
دعاء الكرب([3]).

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله عند كربه وإذا حزبه أمر أي:
إذا نزل وألمَّ به أمر شديد، سُمِّي بدعاء الكرب لأنه ذِكْرٌ يُستفتح به الدعاء ثم
يدعو بما شاء([4])، ولأنه كذلك يتضمن الدعاء لأنه في سياق بيان الحال،
وقد بيَّنا في تفسير بعض آيات الدعاء، أن الدعاء يكون بالطلب الصريح،
ويكون بالطلب غير الصريح من شكاية الحال: من ضعفٍ، وعجزٍ، وغير
ذلك، المتضمن للسؤال بالكشف عن ما ألمَّ به العبد من ضر([5]).

(وهذا الدعاء المبارك فيه كلمات إيمان، عظيمة، كلمات , وتوحيد، وتعظيم،
وإخلاص للَّه عز وجل بالإفراد له تعالى: بالألوهية، والربوبية، والأسماء
والصفات، وفي هذا الحديث: دلالة واضحة على أن أعظم علاج للكرب، هو
الإيمان، والتوحيد الخالص للَّه تعالى، وأن ترديد هذه الكلمات العظام مُذْهِبٌ
للكرب، والهمّ، والغمّ، فما دفعت شدائد الدنيا، وأهوال الآخرة بمثل التوحيد،
فإذا قالها المسلم مُتأمِّلاً لمعانيها مُتفكِّراً في دلالاتها: سكن قلبه، واطمأنّت نفسه،
وزال عنه كربه، وشدته)([6])، فلا يثبت الكرب والهمّ أمام كلمات
التوحيد والتعظيم الخالص للَّه تعالى رب العالمين، واقتران اسمه تعالى:
(العظيم الحليم) دلالة على كمال آخر غير الكمال في إفراد أحدهما، ففي
اقترانهما دلالة كمال عظمته مع حلمه تعالى عكس البشر، فإنه قد يكون
عظيماً، وليس بحليم، وقد يكون حليماً وهو ذليل، فهو تعالى لم تمنعه عظمته
من الحلم بخلقه، ولم يكن حلمه جل وعلا عن ضعف وعجز، بل عن كمال
العظمة والجلال، وكذلك سعة حلمه مع كمال عظمته جل وعلا،
فهو العظيم الحليم على الإطلاق.

ووجه ذكر اسمه تعالى (العظيم)؛ لأنه تعالى لا يتعاظم عليه شيء مهما كان،
ومن ذلك تفريج الكروب والهموم، فكأنه يقول: يا رب أنت العظيم الذي
لا يتعاظم عليك شيء، وأنت الحليم فلم تُعجِّل عليَّ عقوبتك مع كثرة ذنوبي،
وأنت رب السموات والأرض، ورب أعظم مخلوقاتك عرشك العظيم، أسألك
أن تَفْرُجَ عنِّي: كربي، وهمّي، وغمّي.

ووجه ذكر اسمه تعالى (الحليم) في هذا الدعاء المبارك: لأن كرب المؤمن
غالباً يكون بسبب تقصيرٍ في حق ربه؛ فإن المصائب بسبب الذنوب
قال تعالى:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}([7])،
وقد يكون حصول الكرب بسبب الغفلة.

وفي تكرير ذكر العرش لأنه أعظم المخلوقات([8])، والموجودات وتنبيهاً
على عظم شأن خالقه عز وجل فإن من كان كذلك لا يعجزه أي أمر مهما كان.

([1]) البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، برقم 6345،
ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب دعاء الكرب،
برقم 2730.

([2]) سورة الطلاق، الآية: 5.

([3]) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 55.

([4]) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 55.

([5]) مثل دعاء موسى عليه السلام (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

([6]) فقه الأدعية والأذكار، 4/ 186 بتصرف.

([7]) سورة الشورى، الآية: 30.

([8]) قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (الكرسي موضع القدمين، والعرش
لا يقدر قدره إلا اللّه تعالى)، أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات، برقم
828، والطبراني في المعجم الكبير، 12/ 39، والترمذي الحكيم في نوادر
الأصول، 3/ 139، والضياء المقدسي في المختارة، 10/ 310، وأبو الشيخ
في العظمة، 2/ 582، وصححه الألباني في شرح الطحاوية، ص 842،
وهذا حكمه حكم المرفوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق