الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

واستمع يوم ينادي المناد

 

واستمع يوم ينادي المناد



{ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ }



عجيبٌ أمرُ الناسِ يومَ القيامةِ، وحُقَّ له أن يكون عجيبًا..



نُفِخَ فِي الصُّورِ ونَادَى الْمُنَادِي..



{ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ *

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ }.



فقام الناس من قبورهم، مذعورين فزعين، قد هالهم ذلك الصوت العظيم

الذي أقض مضاجعهم، وأخذ بأَزِمَّةِ قلوبهم، وبعثهم من مرقدهم، يتساءلون:

{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا }.



فلو رأيتهم والأرْضُ تَتَشَقَّقُ عَنْهُمْ لَوَلَّيْتَ مِنْ هذا المنظر فِرَارًا

{ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا }.



قاموا بعد طول الرقادِ، ينفضون الغبارَ عن وجوهٍ شاحبة،

وأجسادٍ كانت إلى قريبٍ باليَة.



شخصت عيونهم، وانعقدت ألسنتهم، قَدْ اسْتَولَى الفَزَعُ عَلَى النُّفُوسِ، وَطَارَتْ

مِنَ الهَلَعِ القُلُوبُ، يُسرِعُونَ نَحوَ الصَّوتِ فِي ذُلٍّ وَوُجُومٍ، وَرُعْبٍ وَخُشُوعٍ؛



{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ }..



يؤمون النداء، ويقصدون الداعي، بلا تردد ولا توان، لَا يَمِيلُونَ عَنْهُ قيد

أنملة، لم يمنع كبيرًا كبره، ولا رضيعًا صغره؛



{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَن

فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا }.



يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:

«يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ

وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ».



فيأتون أرض المحشر، ويُعرضون على الله تعالى، ظَاهِرٌ ذُلُّهُم وعجزهم؛

{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }.



قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَة

عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ».



{ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى }

{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى }.



في هذا اليوم

{ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ

تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }..

فكم من باكٍ محزون، وكم من هائم متحير، وكم من نادم متحسرٍ!



وكم من داع بالويل والثبور؛ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا:



{ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا *

لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا }.



فكم من وجوه في هذا اليوم مكفهرة مسودة، كانت في الدنيا ناعمة مبيضة،

وكم من وجوه في هذا اليوم مسفرة، كانت في الدنيا مشفقة وجلة؛



{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }



وكم من وجوه في هذا اليوم ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وكم من وجوه علاها الحزن

وأرهقها القترُ؛



{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ

تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ }



وصدق اللَّهُ تَعَالَى:

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ

تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق