السبت، 19 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (58)

 
موسوعة المؤرخين (58)


حاجي خليفة وكتابه كشف الظنون (الجزء الثانلث)
مؤلفات حاجي خليفة
انقطع حاج خليفة في السنوات الأخيرة من حياته إلى تدريس العلوم
على طريقة الشيوخ في ذلك العهد، فترك عدة كتب، منها:

تحفة الكبار في أسفار البحار - تقويم التواريخ - ميزان الحق في التصوف –
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - تحفة الأخيار في الحكم والأمثال والأشعار.

وله مؤلفاته المخصصة للجغرافيا, وعددها أربعة هي: معجمه الببليوغرافي
الضخم الذي وضعه باللغة العربية والذي يحيط بجميع فروع العلم والأدب،
ثم سفره الأساسي في الجغرافيا العامة باللغة التركية، وأخيرا مصنفان
باللغة التركية يحملان طابعا أكثر تخصصا أحدهما صياغة معدلة لأطلس
أوروبي للعصر القريب منه، والآخر مصنف تاريخي يرتبط ارتباطا
وثيقا بالجغرافيا الملاحية.

وفاته
توفي حاجي خليفة في إستانبول عام 1067هـ / 1657م.

تعريف بكتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون
يعتبر كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" ذخيرة نفيسة
في المكتبة العربية، وهو جدير بأن يكون موضوع عناية ودراسة. وأول
ما نلاحظ عند دراستنا "لكشف الظنون" هو أنه ألف في القرن الحادي
عشر الهجري / السابع عشر الميلادي. وهذه الفترة هي فترة جمود فكري إذا
ما قيست بعهود الازدهار، ولكنها في الواقع امتداد العصر تأليف الموسوعات
، في الأدب، واللغة. والفقه، والتراجم ..، مثل نهاية الأرب للنويري، وصبح
الأعشى للقلقشندي ومؤلفات السيوطي.

وعمل حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون، هو حلقة من تلك الحلقات التي
عملت على التعريف بتراثنا، ومحاولة انقاد ما يمكن إنقاذه، وإذا كان عمله
هذا من نوع خاص وفي ميدان معين فهو عمل هام يستوجب الوقوف
عنده والتعرف عليه.

اعتمد حاجي خليفة في عمله هذا على المؤلفين الذين سبقوه في نفس
الميدان أي ميدان التعريف بالمؤلفات والمؤلفين، وهذا التعريف قد يكون
عاما وشاملا لجميع ضروب العلوم والفنون، وقد يكون خاصا بضرب
معين عن المعرفة، وبطبقة خاصة من طبقات ذلك الضرب المعين.

وحاجي خليفة في كشف الظنون يقصد إلى العموم والشمول، حيث أراد أن
يضع فهرسا جامعا شاملا، ومعجما يضم ما في المكتبة العربية من مؤلفات،
وهذا عمل شاق في حد ذاته، بالرغم من أن الخطوات السابقة تمهد الطريق،
ومما يزيد في صعوبة هذا العمل مضي الزمن وامتداده، وكل من سبق
في الميدان سوف يقف عند حد معين، وعلى اللاحق أن يبتدئ من
حيث انتهى السابق.

لقد تنبه المسلمون منذ العصور الأولى إلى ضرورة وضع فهرس جامع
يسهل على طالب العلم قصده، ويكون له مفتاحا بين يديه ييسر عمله.

الخطوات التي سبقت حاجي خليفة في هذا الميدان
من أهم الخطوات التي مهدت الطريق أمام مؤلف الكشف الخطوات التالية:

1- خطوة ابن طيفور البغدادي المتوفي سنة 280هـ صاحب كتاب "أخبار
المؤلفين والمؤلفات"، فهذه خطوة مبكرة تعتبر من الخطوات الأولى
في هذا الميدان.

2- خطوة "فهرست ابن النديم" محمد بن إسحاق البغدادي المولد، وهذه
الخطوة كانت في منتف القرن الرابع الهجري، فهي من الخطوات المبكرة،
لأن ابن النديم هذا احتراف الوراقة، والكتابة، فأتاحت له ظروفه معرفة الكتب
العديدة، ومؤلفيها، وأتاحت له الاطلاع على المعارف التي سادت في زمانه.

وكتابه الفهرست يدل على إحاطة ابن النديم بمختلف علوم عصره، ويدل
على وقته فيما قرأ، أو رأى، أو سمع، وكتابه مقسم إلى عشر مقالات
في عشرة جوانب من جوانب الثقافة الإسلامية، فكتاب ابن النديم إذا يعطينا
صورة واضحة عن الحصيلة العلمية الضخمة التي كانت بين يدي طلاب العلم
بديار الإسلام في منتصف القرن الرابع الهجري.

3- كتاب "مفتاح العلوم" لمحمد بن أحمد الخوارزمي، من القرن الرابع
الهجري أيضا عاش ببلاط السامانيين، وهو أقدم دائرة معارف عربية.
وقسم الخوارزمي كتابه إلى قسمين هامين: أ– العلوم العربية والإسلامية:
كالشريعة، والفقه، والكلام ، والعروض، والتاريخ. ب- العلوم المترجمة:
كالفلسفة والمنطق والطب والحساب والهندسة والفلك والموسيقى والحيل –
مكانيكا – والكيمياء .. ثم بين مصطلح كل علم.

4- كتاب "إحصاء العلوم" لأبي نصر الفارابي المتوفى سنة 339هـ.

5 - كتاب "موضوعات العلوم"، الذي صنفه عبد الرحمن البسطامي
وهو كتاب حافل في موضوعه.

6- صنف الملا لطفي المقتول سنة 900هـ كتابه "المطالب الإلهية"
خدمة لخزانة بايزيد العثماني.

7- وألف معاصره السيوطي المشهور كتابه "النقابة وإتمام الدراية".

8- وبعدهما ألف السيد محمد أمين بن صدر الدين الشرواني المتوفى سنة
1036هـ، كتابه في هذا الميدان وهو : "الفوائد الخافانية" الذي
أهداه للسلطان أحمد الأول العثماني.

9- هذا ويعتبر كتاب "مفتاح السعادة ومصباح الزيادة"، من أهم الكتب
في هذا الموضوع، وهو من الكتب التي كانت نبراسا لمؤلف كشف الظنون.
ومؤلف مفتاح السعادة هو عصام الدين أحمد طاشكبرى زادة المتوفى في
968هـ، سار في كتابه على منهج ابن النديم، وقسم العلوم إلى ست درجات،
أدخل في كل درجة منها طائفة من العلوم وزمرة منها، وأعطى الدرجة
السادسة لعلوم الباطن وبها أنهى الكتاب، وكتاب مفتاح السعادة هذا يحتوي
على مقدمات في فضيلة العلم والتعليم والتعلم وشروط ذلك.

ويلاحظ أن مؤلف الكشف اتكأ على هذه المقدمات وانتفع بهذا الكتاب كثيرا،
فهو قد استفاد من هذا الرصيد كله ومن غيره .. وهو يصرح في مواضع
عديدة من كتابه بما استفاد من الذين سبقوه.

منهاج حاجي خليفة وطريقته
يقول حاجي خليفة: "أنه قام بعمله هذا بالهام من الله تعالى وأنه ابتدأ عمله
بتحرير أسماء الكتب بحلب". ويلاحظ أن صاحب الكشف بالرغم من اعتماده
على الكتب السالفة الذكر وغيرها كمصادر وكمادة لكتابه، قد ابتدع لنفسه
منهاجا خاصا به وهذا مما ينبغي اعتباره، أنه بهذا المنهاج سهل الرجوع
إلى ما يقصده الباحث والطالب وذلك حيث رتب المؤلفات في كتابه على
حروف المعجم التي ألفت قبله حسب عمله ويرتبها على حروف الهجاء
ترتيبا معجميا.

وبهذا العمل أصبح كشف الظنون معجبا للمؤلفات، بحيث يسهل على الباحث
العثور على الكتب المؤلفة في أي موضوع من الموضوعات، وبهذا العمل
أيضا أصبح الكتاب مرجعا هاما لا يستغني عنه طالب العلم، وخاصة
في طبعاته الأخيرة ذات الذيول والتعاليق.

وفي ثنايا الكتاب يبدو المجهود الذي بذله المؤلف، ومما يلفت النظر
في كشف الظنون، مقدمة الكتاب، تلك المقدمة التي تبين مدى سعة إدراكه
لحقائقالعلم، وتدل على ثقافته الواسعة وعلى ما بذله من جهد في سبيل
العلم والمعرفة.

فهو يتحدث في مقدمة الكتاب عن مختلف العلوم والفنون ويشرح فيها فائدة
كل علم وكل فن، ويتعرض لنشأة العلم ومدارسه وإلى المشهورين من أربابه
والمشتغلين به.

وهي مقدمة حافلة تجسم الجهد المبذول من طرف المؤلف خلال عشرين سنة
في جمع شتات هذا الكتاب، الذي ضمنه في نهاية الأمر زهاء خمسة عشر
ألفا من أسماء الكتب والمؤلفات، لخمسمائة وتسعة آلاف من المؤلفين،
في نحو ثلاثمائة فرع من فروع المعرفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق