الثلاثاء، 15 يونيو 2021

الدعاء والتضرع إلى الله تعالى

 الدعاء والتضرع إلى الله تعالى

إن الإنسان لا يستغني عن ربه طرفة عين ولا أقل من ذلك،
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد كثيرا:
" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله،
ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا".

وإذا رجعنا إلى المعنى اللغوي للتضرع لوجدناه يدور حول الطلب بذل
وخضوع واستكانة، ومادة ضرع تدل على لينٍ في الشيء، ومن هذا الباب
ضرع الشاة، فلو نظرت إلى صغير الحيوان حين يلتقم ثدي أمه، فيلح ويرتفع
وينخفض ويجتهد بكل قوته كي يجذب هذا اللبن الذي به حياته لعرفت مدى
الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للتضرع

فالتضرع هو دعاء الله وسؤاله بذل وخشوع وإظهار للفقر والمسكنة،
قال المناويّ: (الضّراعة: الخضوع والتّذلّل).وهذا الحالة يحبها ربنا
ويرضاها، بل أمر عباده بها:

{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
(الأعراف:55)

يأخذ عباده بالبأساء والضراء ليتضرعوا:
إن من أعظم أسباب دفع البلاء تضرع العبد لربه جل وعلا كما بيّن الله
في كتابه الكريم:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
* فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
(الأنعام:43،42) )

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله.
إن العباد قد يغفلون في أوقات الرخاء عن هذه العبادة الجليلة لكن لا ينبغي
أن يغفلوا عنها في أوقات البلاء والمحنة ولو أنهم غفلوا في الحالين لعرضوا
أنفسهم لعقوبة الله:

{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ *
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
(الأنعام: 44،45)

ولقد أخبر الله تعالى عن أقوام ابتلاهم وتوعدهم بالعذاب فاستكان بعضهم
وتضرع إلى الله فكشف الله عنهم عذاب الدنيا، وأخبر عن آخرين ابتلاهم
وتوعدهم لكنهم تكبروا وتجبروا وما استكانوا ولا تضرعوا فأخذهم العذاب.

أما الأولون الذين تضرعوا فمنهم قوم يونس عليه السلام الذين
قال الله عنهم:

{ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }
(يونس:98)

وقد ذكر بعض المفسرين أن قوم يونس خرجوا إلى الطرقات واصطحبوا
نساءهم وأطفالهم ودوابهم ودعوا وجأروا إلى الله، وقيل : إنهم ظلوا على
هذه الحالة أياما يدعون ويستغيثون ويتضرعون ويبكون فكشف الله عنهم
عذاب الدنيا منةً منه وفضلا.

أما الآخرون الذين لم يظهروا الفقر والضراعة فقد قال عنهم:

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ*
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }
(المؤمنون: 76،77)

الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتضرعين:
قد رأيناه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله متضرعا خاشعا
متذللا لربه تبارك وتعالى.

في الاستسقاء:
خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يزل في الدعاء
والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد.

وعند رمي الجمار:
فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في أيام التشريق إذا زالت
الشمس، ويكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الأولى وقف يدعو ويتضرع، وكذا
بعد الثانية، أما الثالثة فلم يكن يقف عندها.

وفي الجهاد:
رأيناه يتضرع ويدعو في بدر ويستنصر ربه حتى أنزل الله المدد:
عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال:
نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى
المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة،
ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: "اللهمّ أين ما وعدتني، اللهمّ أنجز
ما وعدتني، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في
الأرض أبدا"، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط
رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال:
يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك،
وأنزل الله- عزّ وجلّ

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ }
(الأنفال:9).


وفي يوم الأحزاب:
دعا ربه وتضرع حتى صرف الله عن المسلمين الشر وكفاهم كيد أعدائهم.

وعند الكرب:
يذكر ربه ويذل له ويدعوه:
" لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم،
لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم."

وهكذا كان في كل أحواله صلى الله عليه وسلم وهكذا تعلم منه
أصحابه وعلموا مَنْ بعدهم.

نسأل الله أن يجعلنا أفقر خلقه إليه، وأغناهم به عمن سواه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق