الاثنين، 28 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (67)

 
موسوعة المؤرخين (67)

محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى (الجزء الثاني)
مكانته الاجتماعية
لا تتوفر المعلومات الكثيرة التي توضح مكانته الاجتماعية ولكن يظهر
من بعض الروايات أنه كان معروفًا في المجتمع، مبرزًا في فنه. حيث يروي
الخطيب البغدادي عن إبراهيم الحربي، قوله: "كان أحمد بن حنبل يوجه
في كل جمعة بحنبل بن إسحاق إلى ابن سعد، يأخذ منه جزأين من حديث
الواقدي، ينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى، ثم يردهما ويأخذ غيرهما".
وهذا يدل على الصلة العلمية بينهما.

وكذلك فإن ابن سعد كان أحد المحدثين السبعة الذين طلب المأمون إشخاصهم
إليه، ثم طلب الإشهاد عليهم بعد إجابتهم، مما يدل على مكانتهم وأثرهم في
مجتمعهم. فقد كان ابن سعد من وجهاء مدينة بغداد، بل ومن نخبة علمائها.
وقد عاشر الشيوخ فأفاد منهم، وخالطه التلاميذ فأفادوا منه، ولم يكن
منطويًا على نفسه .

ثقافة ابن سعد
أفاد ابن سعد من علماء عصره في البصرة وبغداد والكوفة والمدينة ومكة،
هذه المدن التي كانت صاحبة الريادة العلمية في تلك الحقبة الزمنية التي
عاشها. فلا شك أنه نهل من معينها الصافي، ورشف من تراثها الإسلامي
العريق، وظهر أثر ذلك في كتابه (الطبقات الكبرى) الذي يوضح كثيرًا
من جوانب ثقافته.

وقد شملت دراسة ابن سعد القرآن والحديث والفقه والأنساب والتاريخ وعلم
الرجال والغريب واللغة والنحو، إلاَّ أنه لم يؤلف سوى كتابه (الطبقات
الكبرى) الذي حوى مادة علمية نفيسة في الحديث والأنساب، والتاريخ،
ونقد الرجال. ويبدو أن هذه العلوم هي التي استأثرت باهتمام ابن سعد
وغلبت على ثقافته.

ثناء العلماء عليه
ولقد شهد له من عاصره، ومن بعده من العلماء بالعلم والفضل، وبمعرفته
بالحديث وغيره. فقال عنه تلميذه وراوي كتابه (الطبقات) الحسين بن فَهُم:
"كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب، كتب الحديث وغيره
من كتب الغريب والفقه". وقال ابن النديم (ت: 385هـ): "كان عالمًا بأخبار
الصحابة والتابعين". وقال الخطيب البغدادي (ت: 463هـ): "كان من أهل
العلم والفضل". ثم روى بسنده عن محمد بن موسى البربري، حيث قال:
"الذين اجتمعت عندهم كتب الواقدي أربعة أنفس؛ محمد بن سعد الكاتب
أولهم". وقال ابن تغري بردي (ت: 874هـ): "كان إمامًا فاضلًا عالمًا
حسن التصانيف، ونقلنا عنه كثيرًا في الكتب".

وقال عنه الذهبي (ت: 748هـ): "الحافظ العلامة"،ووصفه مرة
بـ "الحجة"، وبأنه "أحد الحفاظ الكبار"، وبأنه "صدوق، وقاله أبو حاتم
وغيره". وقال الصفدي (ت: 764هـ): "وكان صدوقًا ثقة". وقال اليافعي
(ت: 768هـ): "الإمام الحبر الحافظ". وقال ابن الجزري (ت: 833هـ):
"حافظ مشهور". وقال ابن حجر (ت: 852هـ): "أحد الحفاظ الكبار،
والثقات المتحرين"، وقال أيضًا: "صدوق فاضل.

ووصفه السيوطي (ت: 911هـ) بأنه حافظ .

وكاد ابن سعد يسلم من جرح النقاد لولا أن يحيى بن معين كذَّبه، وذلك فيما
يرويه الخطيب البغدادي بسنده عن الحسين بن فَهُم، قال: "كنت عند مصعب
الزبيري فمر بنا يحيى بن معين فقال له مصعب: يا أبا زكريا حدثنا محمد
بن سعد الكاتب بكذا وكذا -وذكر حديثًا- فقال له يحيى: كذب".

إلا أن الخطيب اعتذر عن ابن سعد، وصرف نقد ابن معين عنه ووجهه إلى
الواقدي، بقوله: "ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على
صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعبًا الزبيري ذكر ليحيى
عنه حديث من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب".

وأما ما ذكره ابن طيفور من أن المأمون كتب إلى إسحاق بن إبراهيم
في إشخاص سبعة من الفقهاء -بينهم محمد بن سعد كاتب الواقدي-
فأشخصوا إليه، فسألهم وامتحنهم عن خلق القرآن فأجابوا جميعًا: إن القرآن
مخلوق. فهذه الرواية إن صحت تدل أولًا على ما كان يتمتع به ابن سعد من
شهرة وتقدم في بغداد، ولكنها قد تشير ثانيًا إلى شيء من عدم الرضي عنه
بين فئة من أهل الحديث. ومن ذلك فقد نرى بينه وبين أحمد بن حنبل الذي
وقف أصلب موقف في فتنة خلق القرآن علاقة قوية إذ كان أحمد يوجه في
كل جمعة برجل إلى ابن سعد يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي فينظر
فيهما إلى الجمعة الأخرى ثم يردهما ويأخذ غيرهما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق