تمهيد الميزان
ثبت ميزان الأعمال الذي ينصبه المولى جلت قدرته
لإظهار مقادير
أعمال الخلق الذين يحاسبهم
في موقف فصل القضاء ثبوتاً واضحاً, وقد جاء ذكره في
كتاب الله تعالى
في أكثر من موضع. وجاء ذكره كذلك في سنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة, و أجمع على
القول به واعتقاده
جميع السلف الصالح من أهل الإسلام ممن يعتد بقولهم في
باب العقائد.
وسنعرض فيما أدلة إثباته:
أ – من كتاب الله تعالى
ب – ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
المطلب الأول: تعريف الميزان في
اللغة
قال الليث:
[ الوزن ثقل شيء بشيء مثله ]
وقد أطلقت لفظة الوزن والميزان على عدة معان, فهو
يطلق و يراد به
بيان قدر الشيء و قيمته, أوخسة الشيء و سقوطه,
كما قال تعالى:
{ فلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا
}
[ الكهف: 105 ].
قال أبو العباس:
قال
ابن الأعرابي: العرب تقول:
[ ما لفلان عندنا وزن أي قدر؛
لخسته
ويقال:
وزن الشئ إذا قدره, وزن ثمر النخيل إذا خرصه
]
وذكر الأزهري بعدما تقدم من تلك المعاني
اللغوية:
[ أن الميزان يأتي في باب اللغة مراداً به الميزان ذي
الكفات,
و يأتي
مراداً به العدل أيضاً, كما يأتي و يراد به الكتاب الذي فيه
أعمال
الخلق. ثم قال: وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ
]
وقال الراغب:
[ الوزن معرفة قدر الشيء... والمتعارف في الوزن عند
العامة
ما يقدر بالقسط والقبان.
ثم ذكر بعض الآيات التي تدل على أنه يأتي مراداً به
المعدلة في
جميع
ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال مثل قوله تعالى:
{ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ
}
[الشعراء:
182]
{
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ }
[ الرحمن: 9 ].
و أنه يأتي بمعنى العدل في محاسبة الناس كما قال
تعالى:
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ }
[ الأنبياء: 47 ] ]
(2) أما
الميزان؛ فهو: الآلة التي يوزن بها الأشياء
ويجمع على: موازين.
وجائز أن يقال للميزان الواحد – بأوزانه وجميع آلته –
الموازين,
قال
الله عز وجل:
{
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
}
[ الأنبياء: 47 ]
يريد نضع الميزان ذا القسط. وسيأتي تفصيل
هذا.
و جاء إطلاق الموازين على الأعمال:
كما قال تعالى:
{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
}
[ الأعراف: 8 ]
قال الأزهري:
[ أراد والله أعلم -: فمن ثقلت أعماله التي هي حسناته
]
و ذكر الراغب:
[ أن مجيء الميزان على صيغة الجمع تارة, ومجيئه تارة
أخرى بالإفراد
فإنما هو باعتبار المحاسب والمحاسبين, فمجيئه بلفظ
الواحد
اعتباراً بالمحاسب،
ومجيئه بالجمع اعتباراً بالمحاسبين ]
المطلب الثاني: الميزان في الاصطلاح
أما المراد بالميزان في الاصطلاح الشرعي فهو الميزان
الذي أخبر الله تعالى
عنه في كثير من آيات القرآن
الكريم.
و أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث
الشريفة في
أكثر
من مناسبة, تنويها بعظم شأنه وخطورة أمره.
وهو ميزان حقيقي, له لسان وكفتان توزن به أعمال
العباد, خيرها وشرها,
و قد أخبر الله تعالى عنه في القرآن الكريم إخباراً
مجملاً من غير تفصيل
لحقيقته, و جاءت السنة النبوية
فبينته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق