هــل تـــريــد أن تــدخــل الجنــة ؟
ومعنى حرّمت الحرام : اجتنبته .
ومعنى أحللت الحلال : فعلته معتقدا حلّه .
الشرح
لما أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم ، جعل الغاية
من
ابتعاثه الرحمة بالخلق ، والإرشاد
إلى أقصر الطرق الموصلة إلى
رضى
الربّ وإذا رأينا قوله تعالى
:
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
}
( الحج : 107
)
تداعى إلى أذهاننا الكثير من الصور
التي تؤكّد هذا المعنى ،
فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدّخر
جهدا في إنقاذ البشرية من الضلال
،
وتبصيرهم بالهدى والحق
.
ولذلك نرى - في الحديث الذي نتناوله
- هذا الصحابي ،وقد أتى
ليسأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،سؤال
المشتاق إلى ما أعده الله
تعالى
لعباده المتقين في الجنة ، ومسترشدا
عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها
،
فقال
:
( أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات
، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال
،
وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك
شيئا ، أأدخل الجنة ؟ )
إن هذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد
من الصحابة رضوان الله
عليهم
بأشكال متعددة ، وعبارات متنوعة
،
فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم
:
( جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
فإذا هو يسأله عن الإسلام،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: خمس صلوات في
اليوم والليلة
فقال : هل علي غيرها
؟
قال : لا ، إلا أن
تطوع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وصيام رمضان
قال : هل علي غيره
؟
قال : لا ، إلا أن
تطوع
وذكر له رسول الله صلى الله عليه
وسلم الزكاة
قال : هل علي غيرها
؟
قال : لا ، إلا أن
تطوع
قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله
لا أزيد على هذا ولا
أنقص
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: أفلح إن صدق )
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
:
( أن رجلا قال : يا رسول الله ،
أخبرني بعمل يدخلني الجنة
،
فقال القوم : ما له ما له
؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: أرب ما له
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة
،
وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ،
ذرها
قال : كأنه كان على راحلته
)
رواه البخاري .
ومما لا ريب فيه أن السائل الذي سأل
رسول الله صلى الله عليه
وسلم
في الحديث الذي نحن بصدده - كان
دقيقا في اختياره للمنهج الذي
رسمه
لنفسه ؛ فإنه قد ذكر الصلوات
المكتوبات ، وهي أعظم أمور الدين
بعد
الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية
خارج عن ملة الإسلام ،
كما جاء في الحديث الصحيح
:
( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد
كفر ) .
وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو
أحد أركان الإسلام العظام ، و
مما
أجمع عليه المسلمون ، وقد رتّب الله
عليه أجراً كبيراً ،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
:
( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من
ذنبه ) .
ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند
حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما
أحله
الله في كتابه ، وبيّنه رسوله صلى
الله عليه وسلم في سنته
،
واجتناب ما ورد في هذين المصدرين من
المحرمات ، مكتفيا بما سبق
،
غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة
.
ولسائل أن يسأل : لماذا لم يرد ذكر
للحج والزكاة في الحديث ، على
الرغم
من كونهما من أركان الإسلام ، ولا
يقلان أهمية عن غيرهما ؟
والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج
منا إلى أن نعرف الفرق بين
الحج
والزكاة وبين غيرهما من العبادات ،
فإن فرضيتهما لا تتناول جميع
المكلفين
فالحج لا يجب إلا على المستطيع ،
كما قال الله تعالى :
{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
}
( آل عمران : 97
)
كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك
النصاب، ونستطيع أن نقول أيضاً
:
إن هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض
الزكاة أو الحج ؛فإن الحج قد
فُرض
في السنة الثامنة ، والزكاة وإن
كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت
عامة
من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي
بيان النصاب إلا في المدينة ،ولعل هذا
هو
السر في عدم ذكرهما في الحديث .
وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله
عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام
بهذا
المنهج الواضح ، كاف لدخول الجنة ،
وهذا يعكس ما عليه الإسلام من
يسر
وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت،
فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في
عباداته
وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات
البشر ،وهذا مما اختص الله تعالى
به
هذه الأمة دون سائر الأمم
.
لكن ثمة أمر ينبغي ألا نُغفل ذكره
،وهو أن التزام العبد بالطاعات وفق ما
أمر
الله به واجتناب المحرمات وتركها ،
يحتاج إلى عزيمة صادقة ،
ومجاهدة
حقيقية للنفس ،وليس اتكالا على
سلامة القلب ، وصفاء النية
،
وليس اعتمادا على سعة رحمة الله
فحسب ،لأن للجنة ثمنا ، وثمنها
هو
العمل الصالح كما قال الله تعالى
:
{ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
}
( الزخرف : 72 )
فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل ولابد
.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الخير
والصواب ، والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق