عن أنس بن مالك رضي
الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :
( لا
يُؤمِنُ أحدُكم
حتى
يُحِبَّ لأخيه
ما
يُحِبُّ لنَفْسِه
)
رواه
البخاري ومسلم .
شرح الحديث
حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم علاقة الناس
بربهم تبارك
وتعالى
حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة وفي الوقت ذاته شرع لهم
ما ينظم علاقتهم بعضهم ببعض حتى تسود الألفة والمحبة
في المجتمع
المسلم ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده
على مصلحة غيره
حرصه على مصلحته الشخصية وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي
قويّ الروابط متين الأساس .
ومن أجل هذا الهدف أرشد النبي صلى الله عليه وسلم
أمته إلى تحقيق مبدأ
التكافل والإيثار فقال :
( لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ
لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه )
فبيّن أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب أن يحب
الإنسان للآخرين
حصول الخير الذي يحبه لنفسه من حلول النعم وزوال
النقم وبذلك يكمل
الإيمان في القلب .
وإذا تأملنا الحديث لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال
الإيماني في النفس يتطلب
منها سمواً في التعامل ورفعة في الأخلاق مع الغير
انطلاقا من رغبتها في
أن تُعامل بالمثل وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على
أذى الناس
ويتغاضى عن هفواتهم ويعفو عمن أساء إليه وليس ذلك
فحسب بل إنه
يشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم ويعود المريض منهم
ويواسي
المحتاج ويكفل اليتيم ويعيل الأرملة ولا يألو جهدا في
تقديم صنائع المعروف
للآخرين ببشاشةِ وجه وسعة قلب وسلامة صدر
.
وكما يحب للناس السعادة في دنياهم فإنه يحب
لهم أن يكونوا من السعداء
يوم القيامة لهذا فهو يسعى دائما إلى هداية البشرية
وإرشادهم إلى طريق
الهدى واضعا نصب عينيه قول الله تعالى :
{
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ }
] فصلت : 33 [
ويتسع معنى الحديث ليشمل محبة الخير لغير المسلمين
فيحب لهم أن يمنّ
الله عليهم بنعمة الإيمان وأن ينقذهم الله من
ظلمات الشرك والعصيان ويدل
على هذا المعنى ما جاء
هذا الحديث
قال صلى الله عليه وسلم :
)
وأحِبَّ للناس ما تحبُّ لنفسِك تكن
مسلمًا (
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب
الخير للغير فهو
عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح
الآخرين وإرشادهم إلى
ما فيه صلاح الدنيا والآخرة روى الإمام مسلم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله
عنه :
( يا أبا ذر ! إني أراكَ ضعيفا وإنّي أحبّ لكَ ما أحِبّ
لنفسي
لا
تأمرَنّ على اثنينِ ولا تَولينّ مالَ يتيمٍ
)
أما سلفنا الصالح رحمهم الله فحملوا على
عواتقهم هذه الوصية النبويّة
وكانوا أمناء في أدائها على خير وجه فها هو ابن عباس
رضي الله عنهما
يقول :
] إني لأمر على الآية من كتاب
الله
فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم
[
ولما أراد محمد بن واسع رحمه الله أن يبيع حمارا
له
قال له رجل
:
أترضاه لي ؟
فردّ عليه :
لو لم أرضه لك لم أبعه
وهذه الأمثلة وغيرها مؤشر على السمو الإيماني
الذي وصلوا إليه
والذي بدوره أثمر لنا هذه المواقف
المشرفة.
ومن مقتضيات هذا الحديث أن يبغض المسلم لأخيه ما
يبغضه لنفسه وهذا
يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة كالحسد والحقد
والبغض للآخرين
والأنانية و الجشع وغيرها من الصفات الذميمة التي
يكره أن يعامله الناس بها .
ختاما
فإن من ثمرات العمل بهذا
الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل
ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة وترتبط لبناته حتى
تغدو قوية متماسكة
كالجسد الواحد القوي الذي لا تقهره الحوادث ولا تغلبه
النوائب فتتحقق
للأمة سعادتها وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض
الواقع والله
الموفق والهادي إلى سواء السبيل
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق