الأربعاء، 2 مارس 2016

من فوائد الصلاة القرب من الله

 
و لهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر و التقريب ،
 كما قال السحرة لفرعون :
 
 { إنَّ لَنَا لأَجراً إن كُنَّا نحنُ الغالبينَ }
 [ الشعراء : 41 ]
 
 { قالَ نَعم و إنَّكم لَمنَ المُقرَّبين }
 [ الأعراف : 114 ] .
 
 فوعدهم بالأجر و القرب ، و هو علو المنزلة عنده .
 
 فالأول :  

مَثَله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ،
 و لكن حيل بينه و بين رب الدار بسترٍ و حجاب ،
فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه
بالنظر إلى صاحب الدار و النظر إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ،
و غيوم الهوى و دخان النَفس ، و بخار الأماني ،
 فالقلب منه بذلك و بغيره عليل ، و النفس مُكبَّة على ما نهواه ،
 طالبة لحظها العاجل .
 فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض ،
 و ليس له فيها راحة ، و لا رغبة و لا رهبة فهو في عذاب
حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه و دنياه .
 
 
و الثاني :  

مَثَلُهُ كمثلِ رَجُلٍ دخَل دار الملك ، و رفع الستر بينه وبينه ،
 فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته و طاعته ،
 و قد أتحفه الملك بأنواع التحف ، و أدناه و قربه ،
 فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ،
 لما يجده من لذَّة القرب و قرة العين ، و إقبال الملك عليه ،
 و لذة مناجاة الملك ، و طيب كلامه ، و تذلُّله بين يديه ،
فهو في مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه مِن كلِّ جهة ،
و مكتن و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ،
فهو في سرورٍ و راحةٍ يعبد الله ، كأنه يراه ، و تجلَّى له في كلامه ،
 فأشد شيء عليه انصرافه مِن بين يديه ، و الله الموفق المُرشد المعين ،
 فهذه إشارة و نبذة يسيرة في ذوق الصلاة ، و سرّ من أسرارها
و تجلٍّ من تجلياتها .
 
 
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق