الأحد، 16 يوليو 2017

فضل الجلوس في المصلى بعد الصلاة


عن سماك بن حرب قال:
قلت لجابر بن سمرة:
 
( أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيراً،
كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ، فَإذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ )
 أخرجه مسلم.
 
الجلـــــوس بعــد الســلام مـن الصـــــــلاةَ المكتـــــوبة  مــن أعظم
 الأوقـــات التي تنزل فيها رحمــة الله عز وجل لاتستعـــجل بالقيـــــامَ
. استغفر ، سبــح الله ، واحمــده ،وهــلل وكبـــــر  ..
 
قال ابن بطال رحمه الله :
من كان كثير الذنــوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير تعب . فليغتنم ملازمة
 مصــلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم  له .
 المصدر : شرح ابن بطال الجزء : الثالث رقم الصفحة : 114
 
التفصيل:
 
 اختلف الفقهاء في حكم إطالة الجلوس عقب الصلاة
 للذكر والدعاء ، وذلك على قولين :
القول الأول : يستحب إطالة الذكر والدعاء عقب الفراغ من الصلاة ،
للمأموم والمنفرد مطلقا ، وللإمام بعد أن يتحول عن استقبال القبلة ،
وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
 
يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
" أستحب أن يذكر الإمامُ اللهَ شيئا في مجلسه قدر ما يتقدم من انصرف
من النساء قليلا كما قالت أم سلمة ، ثم يقوم ، وإن قام قبل ذلك أو جلس
أطول من ذلك فلا شيء عليه...وأستحب للمصلي منفردا وللمأموم أن
يطيل الذكر بعد الصلاة ، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة "
انتهى من " الأم " (1/151
 
واستدلوا على ذلك بجميع الأحاديث الواردة في تخصيص أذكار معينة
عقب الصلاة ، وهي أحاديث كثيرة ، جمعها أحد الباحثين – واسمه
 غالب الحامضي - في بحث بعنوان : " الأحاديث الواردة المقيدة بأدبار
الصلوات في كتب السنة جمعا ودراسة ".
 
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله
تعالى بعد السلام ، ويستحب ذلك للإمام ، والمأموم ، والمنفرد ، والرجل ،
والمرأة ، والمسافر ، وغيره ، ويستحب أن يدعو أيضا بعد السلام
بالاتفاق ، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر
والدعاء ، قد جمعت في كتاب الأذكار
" انتهى من " المجموع " (3/465)
 
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة المكتوبة كما ورد في
الأخبار ، قال ابن نصر الله في الشرح : والظاهر أن مرادهما أن يقول ذلك
وهو قاعد ، ولو قاله بعد قيامه وفي ذهابه فالظاهر : أنه مصيب للسنة
أيضا ، إذ لا تحجير في ذلك
" انتهى من " كشاف القناع " (1/365)
 
القول الثاني : إذا كانت صلاة الفريضة تتبعها سنة راتبة بعدية ، فيستحب
تقصير الجلوس عقب الفراغ من الصلاة ، وتعجيل القيام منها والانصراف
إلى صلاة النافلة في البيت ، ولا يجلس إلا مقدارا يسيرا ، وبعد ذلك يمكنه
أن يأتي بما يشاء من الأذكار ، وهو قول فقهاء الحنفية ، قالوا يكره تأخير
صلاة السنة الراتبة عن صلاة الفريضة ، ولا يفصل بينهما حتى بالأذكار
الشرعية ، أما الفصل للانتقال إلى البيت فهو الأفضل .
واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت :
 
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ
 اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
 رواه مسلم (592)
 
وقول عائشة : ( بمقدار ) لا يفيد أنه كان يقول ذلك بعينه ، بل كان يقعد
بقدر ما يسعه ونحوه من القول تقريبا ، فلا ينافي ما في الصحيحين
من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة :
 
 ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد
 وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ،
 ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد )
" انتهى من " رد المحتار " (1/531)
 
 الخاتمة:
والراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم خلافا للحنفية ، أنه يستحب إطالة
الجلوس عقب الصلاة للإتيان بالأذكار المشروعة ، وذلك لعشرات
الأحاديث الواردة في استحباب الأذكار (دبر الصلاة)، والأصل في دبر
الشيء التعقيب والمباشرة ، وليس التراخي ، ومن أصرح الأحاديث التي
تدل على استحباب الذكر عقب الصلاة المكتوبة
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
 
 ( كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ )
 رواه البخاري (842)
 
وأما الجواب على أدلة الحنفية فظاهر أيضا ؛
 لأن حديث عائشة رضي الله عنها :
 
 ( لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ )
 
لا يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض ويخرج من المسجد بعد أن
يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام . وإنما يعني أنه كان يتحول عن
توجهه للقبلة ، ويستقبل الناس بوجهه ، فينصرف عن قعدته تجاه القبلة
بعد أن يأتي بهذا الذكر ، ولا يلزم منه النهوض والخروج إلى البيت كما
يقرره فقهاء الحنفية ، وقد سبق في أول جوابنا نقل كلام البهوتي الحنبلي

رحمه الله في الاستدلال بهذا الحديث على ما ذكرناه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق