الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

بث روح الاجتماع في رحاب الأسرة المسلمة

بث روح الاجتماع في رحاب الأسرة المسلمة

مظاهر لتنمية شعور الاجتماع في نطاق الأسرة
وهذه بعض الإشارات لصور تعكس روح الجماعة في الأسرة.

الاجتماع على الطعام
ولننظر مثلًا إلى الاجتماع على الطعام، كمظهر من المظاهر اليومية الهامة
لتلاقي أفراد الأسرة، وكيف يكون فرصة لتعليم الصغار، والتقارب معهم.
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال:
كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( يا غلام، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك
، فما زالت تلك طُعمتي بعد؛)
متفق عليه.

ويضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا مثالا للمربي، الذي
يشارك الناشئة أحداث يومهم، فيوجههم من خلالها،
ويؤثر فيهم بشكل فوري.

وأظهرت دراسة قام بها باحثون أمريكيون، أنّ اجتماع أفراد الأسرة
في أوقات تناول الوجبات؛ قد يقلل من أثر المخاطر التي قد يتعرض
لها المراهقون.

وأجريت الدراسة من قبل فريق من جامعتي مينيسوتا و"فيلدينج
جراديوات" الأمريكيتين، على 99462 طالباً من مائتين وثلاثة عشر
مدرسة تابعة لخمس وعشرين ولاية أمريكية، ومن مراحل عمرية
مختلفة، بحيث كان أصغرهم من طلبة الصف السادس وأكبرهم
من طلبة الصف الثاني عشر.

وتشير نتائج الدراسة التي نشرتها دورية "صحة المراهق" إلى وجود
ارتباط ما بين انخفاض عدد المرات التي يجتمع فيها أفراد الأسرة لتناول
الوجبات الرئيسة معاً، وزيادة تعرض الأبناء من المراهقين لممارسة
السلوكيات الخطيرة، كتعاطي المواد المخدرة وممارسة العنف
أو الإقدام على الانتحار.

وتبيّن من خلال الدراسة أنّ الأسر التي كان يتناول أفرادها وجبات الطعام
الرئيسة معاً؛ كانت ممارسة أبنائها من المراهقين لهذا النوع
من السلوكيات الخطيرة أقل.

الصلاة
وما أجمل أن يكون اجتماع الأسرة في رحاب الصلاة، فيكون تواصلهم
موصولا بالخالق، ويتعمق التعلق بها في نفوس الصغار والناشئة.
من الممكن أن يصلي الأب بأسرته جماعة في قيام بعض ليالي ،
أو في الأيام العادية، وأن يصطحبهم للمسجد أيضًا في بعض الأحيان.

المؤانسة والسمر
الجلسات العائلية من أهم مظاهر الاجتماع والتقارب الأسري، فيها يتم
تبادل الآراء، ويحكي كل فرد عن يومه، وظروفه، ويكون المرح
والمؤانسة والفائدة.

ومن القوالب المحببة لهذه الجلسات "المسابقات الأسرية" والتي تجمع
بين اللعب والفائدة، وقد تكون في حفظ القرآن الكريم، أو فهم الأحاديث
الشريفة، أو المعلومات العامة.

السفر
في السفر فوائد عديدة، وعندما تسافر الأسرة مجتمعة يتحقق بهذا
الترويح والتعلم والسياحة في الأرض، والتفكر في آيات الله وخلقه،
وتوفر فرصًا جيدة للتوجيه في أمور ربما غير موجودة في البيئة الأصلية.

بل إن اجتماع الاسرة في السيارة للتنزه أو السفر
أو قضاء الأمور يشكل فرصة جيدة للحديث النافع، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

( كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي
أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ
اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ
يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا
عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ،
رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )
. رواه الترمذي وأحمد.

المجالسة
يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم الرفق في الأمر كله،
وتعليم الأهل في جو مشبع بالمحبة والتراحم.

عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أن فاطمة – رضي الله عنها-
أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى،
وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته
عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال:

( "على مكانكما"، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدمه
على بطني، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؛ إذا أخذتما مضجعكما
فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين
فهو خير لكما من خادم" )
. متفق عليه.

وهذا درس للآباء والمربين في التعامل مع مثل هذه المواقف الأسرية،
بالتواد والتراحم والتقارب الأسري، وتقديم البدائل، والرفض الكريم
دون توبيخ ولا نهر.

قيم الجماعة في الأسرة المسلمة
وللجماعة قيم تحافظ عليها الأسرة المسلمة، منها:
1ـ المسؤولية:
ويتجلى هذا في قوله صلى الله عليه وسلم:

( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالرَّجُلُ
رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )
متفق عليه.

فهذه النماذج المختلفة للأدوار الأسرية: الرجل- المرأة- الابن، محكومة
بقيمة المسؤولية، فالجماعة في الإسلام، ومن أصغر أشكالها "الأسرة"،
ليست مجرد تواجد للأفراد سويًا، بل هي مؤسسة في المقام الأول
على الشعور بالمسؤولية والالتزام بأدائها.

2ـ المشاركة والتعاون
التعاون من أهم قيم الاجتماع في الإسلام، وهي قيمة يجب غرسها
في الطفل منذ نعومة أظافره، حتى لا ينشأ اتكاليًا أنانيًا، فيشجع الوالدان
الطفل على الاعتماد على نفسه، وينميان فيه روح الاستقلالية والعمل،
ويدمجانه في الأعمال الأسرية المختلفة، حسب عمره وقدراته، مثل:
إعداد الطعام، والتنظيف والترتيب، ونحوها..

ومن المهم لغرس قيمة التعاون أن يرى الطفل والديه متعاونين، فالأم
قريبة من الأب، تدعمه بما تستطيع، وكذلك الأب لا يأنف من مشاركة
زوجته وأولاده لمهامهم اليومية، ويساعد زوجته ويشاركها، أما إذا كان
أفراد البيت كنزلاء فندق كلٌ في جزيرة منعزلة، فسيتعلم الطفل الانزواء
على نفسه، وسينشأ نافرًا من قيمة العمل الجماعي.

3ـ المشاركة الوجدانية
يهتم الإسلام بالجانب الوجداني في المقام الأول،
فيكون التلاقي قلبيًا قبل أن تجتمع الأجساد.
قال صلى الله عليه وسلم:

( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛
إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )
متفق عليه

والأسرة هي المحضن الأول الذي يشعر الطفل فيه بالتواد والرحمة، يراها
بين والديه، ومع إخوته، ويتلقاها، ويرسلها، فتحمله مشاعره الجياشة،
وعاطفة الرحمة والتعاطف على التعاون والإيثار، والدعاء بظهر الغيب،
والتجرد من الأنانية والطمع.

وفي غياب الأسرة ينشأ الأطفال جائعون للعاطفة، تعبث بهم المخاوف
والاضطرابات، فيتعلمون القسوة والجفاء، وقد يضعهم
هذا على سُلّم الجريمة.

4ـ حُسن الخلق
شدد الإسلام على أهمية "حسن الخلق"، فهو الضامن لاستمرارية
العلاقات صحية، بعيدًا عن آفات: الغيبة، والنميمة، والسخرية، والبهتان،
والكذب، واتباع الظن، والغلظة والجفاء... إلخ

وفي الأسرة يتعلم الطفل هذه الضوابط الأخلاقية فيخرج للمجتمع إنسانًا
سويًّا، يحترم الكبير، ويرحم الصغير، وينجح بأخلاقه الحسنة،
وفطنته الاجتماعية.

5ـ الشورى
الشورى من أعظم القيم الإسلامية للاجتماع الإنساني،
قال تعالى في وصف المؤمنين

{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}
الشورى: 38.

وإذا تعلم الطفل في مجتمع الأسرة الصغير قيمة الشورى، فكان رأيه
محترمًا، يستمع إلى آراء الآخرين، ويشاركهم الرأي، وينزل على رأي
الجماعة، لن يعجز بعدها أن يتبادل الحوار المثمر، والمشاركة الفعالة
في المجتمعات الأكبر.

أما إذا كان الأب مستبدًا، يقهر أفراد الأسرة على رأيه الأوحد، فلا يأخذ
آراءهم، ولا يتفهم وجهات نظرهم، فسرعان ما سينفضوا من حوله،
ومن غير المستبعد أن يمارسوا العناد والقهر في حياتهم الشخصية
بعد ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق