الأحد، 17 فبراير 2019

الصدق والإخلاص

الصدق والإخلاص

فالإخلاص أن لا تشرك بالله شيئاً، وأن لا تريد بعملك إلا وجه الله.

والصدق أن تجمع همتك على إحسان العمل؛ فتكون صادق القول والعمل.

فصحة الإخلاص تستلزم وجود الصدق، والصدق يقتضي الإخلاص.

وقد عبَّر ابن القيم رحم الله عن التناسب بينهما بعبارة حسنة

في مدراج السالكين


فقال:

(الإخلاص: توحيد المطلوب، وحقيقة الصدق: توحيد الطلب والإرادة،

ولا يثمران إلا بالاستسلام المحض للمتابعة؛ فهذه الأركان الثلاثة :

هي أركان السير وأصول الطريق التي من لم يبن عليها سلوكه

وسيره فهو مقطوع وإن ظن أنه سائر؛ فسيره إما إلى عكس جهة

مقصوده، وإما سير المقعَد والمقيَّد، وإما سير صاحب الدابة الجموح

كلما مشت خطوة إلى قُدَّام رجعت عشرة إلى خلف. فإنْ عدم الإخلاص

والمتابعة انعكس سيره إلى خلف، وإن لم يبذل جهده ويوحّد طلبه

سار سير المقيد.وإن اجتمعت له الثلاثةُ فذلك الذي لا يجاري في مضمارِ

سيرِه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).ا.هـ.

وقال أيضا:

(ان للعبد مطلوباً وطلباً؛ فالإخلاص توحيد مطلوبه، والصدق توحيد

طلبه؛ فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسماً، والصدق

أن لا يكون الطلب منقسما؛ فالصدق بذل الجهد،

والإخلاص إفراد المطلوب).

ومن جمع الصدق والإخلاص فقد نصح لله ورسوله، وبذلك يكون

من المحسنين، وهذه غاية مطالب السالكين. تفكروا في قول الله تعالى:

{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى

وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ

مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}

[التوبة:91]

وانظروا كيف بلغت النصيحة لله ورسوله بهؤلاء الصادقين المخلصين

مرتبةَ المحسنين على ضعفهم ومرضهم وفقرهم، بل الله كتب لهم بهذه

النصيحة أجر المجاهدين كما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث

أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رجع من غزوة

تبوك، ودنا من المدينة قال:

( إن بالمدينة أقواماً

ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم.

قالوا: يا رسول الله!

وهم بالمدينة؟!! قال:

وهم بالمدينة، حبسهم العذر ) .

فالمراد بالمحسنين في هذه الآية الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون

ما ينفقون بشرط أن يكونوا ناصحين لله ولرسوله.

ويخطئ من يظنُّ أن المراد بالمحسنين في هذا الموضع الأغنياء،

بل الأغنياء الذين يتخلفون عن مواضع وجوب الإنفاق مسيئون

غير محسنين كما قال الله تعالى:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء

رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ

فَهُمْ لاَ يَعْلَمُون}

[التوبة:93]

ملتقى التفسير




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق