السبت، 24 أغسطس 2019

ذوق الصلاة عند ابن القيم (50)

ذوق الصلاة عند ابن القيم (50)


راحة الصلاة

وتأمل كيف قال أرحنا بها ولم يقل أرحنا منها، كما يقوله المتكلف بها الذي

يفعلها تكلفًا وغرمًا، فهو لما امتلأ قلبه بغيرها وجاءت قاطعة عن أشغاله

ومحبوباته، وعلم أنه لا بد له منها فهو قائل بلسان حاله وقاله:

نصلي ونستريح من الصلاة لا بها، فهذا لون وذاك لون آخر، فالفرق بين

من كانت الصلاة لجوارحه قيدًا أو لقلبه سجنًا، ولنفسه عائقًا، وبين من كانت

الصلاة لقلبه نعيمًا ولعينه قرة ولجوارحه راحة، ولنفسه بستانًا ولذة.



1 - فالأول الصلاة سجن لنفسه وتقييد لها عن التورط في مساقط

الهلكات وقد ينالون بها التكفير والثواب وينالهم من الرحمة

بحسب عبوديتهم لله فيها.



2 - والقسم الآخر الصلاة بستان قلوبهم، وقرة عيونهم،

ولذة نفوسهم، ورياض جوارحهم فهم فيها يتقلبون في النعيم.



فصلاة هؤلاء توجب لهم القرب والمنزلة من الله ويشاركون الأولين

في ثوابهم ويختصون بأعلاه وبالمنزلة والقربة وهي قدر زائد على مجرد

الثواب، ولهذا يعد الملوك من أرضاهم بالأجر والتقريب كما قال السحرة

لفرعون



{إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}

[الأعراف: 113، 114].



1 - فالأول عبد قد دخل الدار والستر حاجب بينه وبين رب الدار فهو

من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه؛ لأنه في حجب الشهوات، وغيوم الهوى،

ودخان النفس، وبخار الأماني، فالقلب عليل، والنفس مكبة على ما تهواه،

طالبة لحظها العاجل.



2 - والآخر قد دخل دار الملك ورفع الستر بينه وبينه فقرت عينه واطمأنت

نفسه، وخشع قلبه وجوارحه، وعَبَد الله كأنه يراه، وتجلى له في كلامه.

فهذه إشارة ما، ونبذة يسيرةٌ جدًا في ذوق الصلاة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق