سلسلة أعمال القلوب (37)
ثانياً : ما الفرق بين الإخلاص وبين الصدق والنصح ؟
• بعض أهل العلم يقولون: إن الفرق بين الإخلاص والصدق:
أن الصدق هو الأصل، والإخلاص متفرع عنه.
[انظر:التعريفات للجرجاني] .
• وبعضهم يقول: بأن الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل،
وأما الصدق فيكون بالنية قبل الدخول فيه.
• وابن القيم رحمة الله يذكر فرقاً آخر [المدارج 2/91-92] وهو:
أن الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة، أو تصفية
الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وأما الصدق فهو التنقي من مطالعة
النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ثم يذكر أن هذه
الأمور بينها تلازم ولا انفكاك لأحدها عن الآخر .
[المدارج 2/91-92].
• ويمكن أن نعبر عن الفرق بينهما بعبارة واضحة وهو أن يقال:
إن الإخلاص هو أن تفرد الله عز وجل بقصدك، وأما الصدق:
فهو الموافقة بين الظاهر والباطن هذا في الأعمال وفي الأحوال.
في الأعمال: بحيث أن الإنسان لا يُظهر أعمالاً صالحة
وقلبه ينطوي على غير ذلك.
وفي الأحوال: بحيث إن الإنسان لا يُظهر خشوعاً، أو صلاحاً، وقلبه
ينطوي على خلاف ذلك، فهذا غير صادق وكذلك في الأقوال: الصدق
فيها بموافقة القول لما في القلب، فمن قال قولاً، ولو كان مطابقاً
للواقع، ولكنه يخالف ما في مكنونه؛ فإنه يعتبر كاذباً بذلك، فلو سئل
عن فلان أين هو؟ فقال: فلان مسافر، وهو يعتقد أنه موجود ولكن
صادف أن قوله وقع على الحقيقة بحيث أن فلاناً قد سافر فعلاً وهو لم
يعلم، فقال: إنه مسافر، وهو يظن أنه موجود؛ فإنه يكون بذلك كاذباً
مع أن قوله طابق الواقع.
وكذلك أيضاً إذا خالف ما في الواقع، وإن لم يقصد ذلك كما هو استعمال
السلف كثيراً، وهو استعمال عربي معروف لكلمة:' كذب' التي تقابل
الصدق، فإذا قال مثلاً فلان مسافر وهو يعتقد أنه مسافر، فتطابق قوله
مع ما في مكنونه ولكنه أخطأ ذلك وتبين أن فلاناً لم يسافر، فالسلف
كانوا يقولون عن ذلك بأنه كذب، ويعدونه من الكذب لا الكذب المذموم
الذي يعاقب عليه صاحبه، وإنما يطلقون ذلك على كل ما خالف الواقع
والحقيقة، ولهذا تجد في أقوال الصحابة رضى الله تعالى عنهم:'كذب
فلان' من الصحابة، عائشة رضي الله عنها تقول:'كذب فلان' ماذا
تقصد بذلك؟ لا تقصد التهمة، إنما تقصد معنى آخر وهو أنه أخطأ.
• إذًا الحصيلة من هذا: أن الصدق يكون بموافقة الظاهر للباطن
في الأقوال والأحوال، ويكون أيضا عند المتقدمين بموافقة القول
للواقع.. هذا هو الصدق.وخلافه الكذب، وهو قسمان:
كذب يؤاخذ عليه الإنسان ويلحقه الذنب: إن قصد أن يقول شيئاً
يخالف به الحقيقة والواقع، فهذا يؤاخذ عليه ويكون مذموماً آثماً.
وأما الصنف الثاني: وهو ما لا يؤاخذ عليه: فيما لو وقع منه ذلك
على سبيل الغلط، فيسمى ذلك بالكذب، ولكن صاحبه لا يلحقه ذنب .
هذا الفرق بين الإخلاص والصدق،، وقد يعبر بالصدق، ويراد به
الإخلاص، فيقال: فلان يعامل ربه بصدق يعني: بإخلاص. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق