الأحد، 27 ديسمبر 2020

ترويض النفس عند المحن

 ترويض النفس عند المحن



قال الله تعالى: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }

[العنكبوت: 2]؛ أي: لا يُبتلون في أموالهم وأنفسهم، كلا لنختبرنَّهم؛

ليتبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب.



عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن

أصابته سـرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضـرَّاء صبر

فكان خيرًا له».



من أصيب بمصيبة، فليتذكر أن غيره سلك هذا المسلك

، وفي كل وادٍ بني سعد، فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.



إخواني، هذه الحياة الدنيا نعيمها زائل، إن أضحكتك أبكتك، فهذا يشتكي علة

وهذا فقراً.. إلخ من المصائب والآلام؛ قال تعالى:



{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ

لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 42، 43].



يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلاء، فإن

رده إلى ربه وصار سببًا لصلاح دينه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به،

ولا بد أن تقلع الشدة، وقد عُوِّضَ عنها أجلَّ عوض، وإن لم يرده ذلك البلاء

إليه، بل شـرد قلبه عنه، وردَّه إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، فهو علامة

الشقاء، وإذا أقلع عنه البلاء ردَّه إلى طبيعته وسلطان شهوته، فبلية هذا

وبال، وبلية الأول رحمة وتكميل. والله الموفق"؛ ا.هـ.



فقد ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الابتلاءات، فقد توفِّي والداه

وهو صغير وعاش يتيمًا، وكفله جده عبدالمطلب، ثم عمه أبو طالب، وطرد

من أهله وعشيرته، ورُمي بالحجارة عند دعوته لأهل الطائف حتى سال الدم

منه صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه ساحر، وكاهن، وشاعر، رموه بالجنون

ووضع سلى الجزور على ظهره وهو ساجد بين الركنين

صلى الله عليه وسلم.



المؤمن الصادق لا بد أن يبتلى ليُعْرَف صدقه من كذبه؛ لأن سلعة الله غالية،

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«حُفت الجنة بالمكارة، وحُفت النار بالشهوات».



قد يُبتلى الإنسان بجار سوء أو بقريب أو زميلٍ له، وهل يقوم بالدعوة إليه،

ويرى ذلك منحة من الله عز وجل ويناصحه، ويكون ذلك في ميزان حسناته،

وآخر قد يُبتلى بما يعكر عليه صفو حياته.



يقول ابن القيم رحمه الله: "فإذا طال بالعبد البلاء، واستمرَّت به الآلام

وتوالت عليه المصائب، فلا يُسيء الظن بربه سبحانه وتعالى، ويعتقد أن الله

أراد به سوءًا، وأنه لا يريد معافاته، فإن ذلك جُرم عظيم وخطر جسيم، فالله

الحكيم العادل بل هو الرحيم المتفضل، وما قدره الله عليك هو عين العدل؛

كما في الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«ماضٍ فيَّ حكمُك، عدل فيَّ قضاؤك»؛ ا. هـ.



فربما صحَّت الأجساد بالعلل، والمسلم في هذه الدنيا يجري عليه ما جرى لما

قبله، وهو في ذلك مأجور إن صبر واحتسب؛ قال تعالى:



{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

[التوبة: 51]،

فلتكن بذلك المعرفة الصادقة مع الله عز وجل.



أخي في الله، إذا داهمتْك المصائب ونزل بك الهمُّ والحزن، فالْهَج بذكره

وحاسِب نفسك على التقصير والإهمال، ولا تنسَ دعوة يونس عليه السلام:

"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، فقد قال بعضهم:

لولا البلاء لخرجنا من الدنيا مفاليسَ، وقال عمر بن عبدالعزيز

رضي الله عنه: "وليس لي موضع سـرورٍ إلا في مواضع القدر".



ومن فوائد الابتلاء بالمصائب والمحن ما يلي:

1) معرفة عز الربوبية وقهرها.

2) معرفة ذل العبودية وكسـرها.

3) الإخلاص لله تعالى.

4) الإنابة إلى الله والإقبال عليه.

5) التضـرع والدعاء.

6) الحلم ممن صدرت منه.

7) العفو عن جانيها.

8) الصبر عليها.

9) الفرح لها لأجل فوائدها.

10) الشكر عليها.

11) تمحيصها للذنوب والخطايا.

12) رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم.

13) معرفة قدر نعمة العافية والشكر عليها.

14) ما أعده على هذه المصائب من ثواب أُخروي.

15) ما في طيها من الفوائد الخفية.

16) أنها تمنع من الأشـر والبطر والفخر والخيلاء، والتكبُّر والتجبر.

17) الرضا الموجب لرضوان الله عز وجل.



إخواني، مَن أصيب بمصيبة فليصبر لها وليتجلَّد ويحتسب، فالذي أصابك

وابتلاك هو أرحم الراحمين، أرحم بك من والدتك، حكيمٌ في تقديره للأمور،

عليم بكل شيء سبحانه وتعالى.



ومن علامات الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشـره، وفي تغيير الأحوال

وتقلُّب الليل والنهار عِبرٌ لأولي الأبصار؛ قال تعالى:



{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا

وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ

وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216].



قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

«يا غلام، أو يا غُليمُ، ألا أعلِّمك كلمات ينفعك الله بهنَّ، فقلت: بلى، فقال:

احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إليه في الرخاء، يعرفْك في

الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنْ بالله، قد جفَّ القلم بما هو

كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك،

لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لم يقدروا

عليه، واعلَم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر،

وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق