الأحد، 11 أبريل 2021

موسوعة المؤرخين (25)

 موسوعة المؤرخين (25)



عز الملك المسبحي (الجزء الثاني)
مؤلفات المسبحي

شغل المسبحي للحاكم منصب رئاسة ديوان الترتيب في الإدارة المركزية،
وقد أتاح له هذا المنصب أن يحضر مجالس الحاكم واجتماعاته بصفة دائمة،
ولعل مكانته هذه مكَّنته من الوصول إلى بواطن الأمور في عصره، ولذا فإن
كتاباته تكتسب مزيدا من الثقة بمرور الزمن، واتصفت بالأصالة والصدق
مما جعل من جاء بعده ينقلون عنها أو يقتبسون منها جملة وتفصيلا.

وقد عدّد ابن خلّكان في كتابه "وفيات الأعيان" مصنّفات المسبّحي، وفيها
ما يدل على ما كان يتمتع به ذهن المسبّحي الممتاز من نواحي التفكير
والثقافة المتعددة، فقد ألّف المسبّحي في التاريخ والجغرافيا والاجتماع
والفلك، كتبًا بل موسوعات ضخمة بلغت نحو ثلاثين مصنَّفًا، منها:

كتاب "التاريخ الكبير" في ثلاثة عشر ألف ورقة، وهو عن أخبار مصر
ومن حلّها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء، وما بها من العجائب
والأبنية، واختلاف أصناف الأطعمة، وذكر نيلها، وأسفار الشعراء، وأخبار
المغنين، ومجالس القضاة والحكام، والأدباء، والمتغزّلين وغيرهم، وكتاب
"التلويح والتصريح" وهو في معاني الشعر، وغيره، وهو في ألف ورقة،
وكتاب "الراح والارتياح" وهو في ألف وخمسمئة ورقة، وكتاب "الغرَق
والشَرَق" وهو في ذكر من مات غرقًا وشرقًا في مئتي ورقة، وكتاب
"الطعام والإدام" وهو في ألف ورقة، وكتاب "درك البغية" في وصف
العبادات والأديان، وهو في ثلاثة آلاف وخمسمئة ورقة، وكتاب في "قصص
الأنبياء" عليهم السلام وأحوالهم وهو في ألف وخمسمئة ورقة، وكتاب
"الأمثلة للدول المقبلة" وهو في النجوم والحساب، في خمسمئة ورقة،
وكتاب "أصناف الجماع" في ألف ومائتا ورقة، وكتاب "القضايا الصائبة
في معاني أحكام النجوم" في ثلاثة آلاف ورقة، وكتاب "جونة الماشطة"
في غرائب الأخبار والأشعار والنوادر في ألف وخمسمئة ورقة، وكتاب
"الشجن والسكن في أخبار أهل الهوى وما يلقاه أربابه" في ألفين
وخمسمئة ورقة، وكتاب "السؤال والجواب" في ثلاثمئة ورقة، وكتاب
"مختار الأغاني ومعانيها". وغير ذلك كثير، غالبيتها العظمى ضاعت.

ومما سبق نفهم أن المسبِّحي ترك مصنّفات ضخمة، وآثارًا حافلة، تنم على
غزارة إنتاج فكري مدهشة، وتشهد هذه الآثار من حيث تنوعها لصاحبها
بطرافة يندر توافرها في رجل واحد وفي آداب هذا العصر. بيد أنه لم يصل
من هذا التراث شيء يذكر، وكل ما حُصِل عليه شذرات التقطت من بعض
الكتب التي استقت معلوماتها من كتبه، وخاصة تاريخه الكبير عن مصر،
والذي وصل منه القليل القليل.

كتاب أخبار مصر أو التاريخ الكبير للمسبحي
خصص عز الملك المسبحي حياته ومواهبه الممتازة لدراسة مصر وأحوالها
وتاريخها، ووضع ذلك في تاريخه الكبير أو موسوعته الضخمة عن تاريخ
مصر، والذي لو لم يذهب به الزمن وبكثير من آثاره، لبقي أعظم أثر
عن مصر وتاريخها في المرحلة الأولى من الحكم العبيدي الفاطمي.

وقد اشتهر المسبحي بالأخص بتاريخه الكبير، الذي يصف لنا محتوياته
في مقدمته فيما يلي: "التاريخ الجليل قدره الذي يستغنى بمضمونه عن
غيره من الكتب الواردة في معانيه، وهو أخبار مصر ومن حلها من الولاة
والأمراء والأئمة والخلفاء، وما بها من العجائب والأبنية واختلاف أصناف
الأطعمة، وذكر نيلها، وأحوال من حل بها إلى الوقت الذي كتب فيه، وأشعار
الشعراء، وأخبار المغنين، ومجالس القضاة والحكام والمعدلين والأدباء
والمتغزلين وغيرهم"، وقد مدحه ياقوت الحموي في معجمه فقال:
"كانت له عناية بالتواريخ تامة، وكتابه في ذلك من أحسن الكتب وأبسطها
وأتقنها، وهو كتاب كبير نحو ثلاثين مجلدة، ووقفت على شيء منه
فاستحسنته وكتبت منه".

وإذن فقد كان تاريخ المسبحي، سواء من حيث حجمه أو موضوعاته
موسوعة قوية شاسعة؛ ولم يصلنا هذا الأثر الضخم الذي يلقى بلا ريب أعظم
الضياء على تاريخ الدولة الفاطمية في عصرها الأول، ولا سيما عصر الحاكم
بأمر الله، وشخصيته الغريبة التي درسها المسبحي عن كثب، ولكن الشذور
القوية الممتعة التي وصلتنا منه على يد المقريزي وغيره من المؤرخين
المتأخرين عن أحوال الدولة الفاطمية وقصورها وخزائنها وصروحها
وبذخها وبهائها، تنوه بقيمة هذا الأثر ونفاسته وطرافته، وتدل أيضًا على
أن مؤلفه قد تناول خطط وآثارها ومعاهدها في كثير من الإفاضة.

وقد لبث تاريخ المسبحي مستقى خصبًا لمؤرخي مصر الإسلامية حتى عصر
متأخر جدًا؛ فالمقريزي وابن تغري بردي وشمس الدين السخاوي والسيوطي
وغيرهم يقتبسون منه ويشيرون إلى وجوده؛ وكذلك يذكره حاجي خلفية
(ت 1067هـ) في كتابه كشف الظنون بما يأتي: "ومنها تاريخ مصر
لعز الملك محمد بن عبد الله المسبحي الحراني المتوفى سنة 420هـ،
وهو كبير في اثني عشر مجلدًا؛ واختصره تقي الدين الفاسي والذيل عليه
لابن مُيَسّر".

وفي ذلك ما يدلي بأن تاريخ المسبحي كان موجودًا حتى القرن الحادي عشر
الهجري / السابع عشر الميلادي؛ بل هنالك ما يدل على أنه كان موجودًا
كله أو بعضه حتى القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي؛
فقد ورد في معجم مخطوطات الأسكوريال الذي وضعه الغزيري اللبناني باللاتينية في
سنة 1770م بأنه يوجد في مكتبة الأسكوريال العربية (أربعة مجلدات من
تاريخ مصر وأرضها وعجائبها مرتب حسب السنين لغاية سنة 414هـ،
تصنيف محمد بن عبد الله بن عبد العزيز المسيحي (كذا) (معجم الأسكوريال
رقم 531 فقرة 2)، وليس من شك في أن المقصود هو تاريخ مصر للمسبحي،
وذلك رغم تحريف الاسم. على أننا عند مراجعة فهرس
الأسكوريال الحديث الذي وضعه ديرنبورج، ثم ليفي بروفنسال (سنة
1928م) لم نجد في كتب التاريخ ذكرًا لكتاب المسبحي، مما يدل على أن
ما كان موجودًا منه بقصر السكوريال في القرن الثامن عشر قد ضاع شأن
كثير من الآثار التي أثبت الغزيري وجودها في معجمه.

بيد أنه يبدو من هذا الوصف الذي أثبته الغزيري في معجمه أن المسبحي
استمر في تتبع حوادث مصر وحوادث عصره حتى سنة 414هـ، وربما
استمر إلى ما قبل وفاته في سنة 420هـ إذا لم يكن الغزيري قد وقف على
نهاية كتابه. وهذا وقد كتب ابن ميسر المصري المتوفى سنة 677هـ ذيلًا
لتاريخ المسبحي، يبدأ فيه من حيث انتهى المسبحي، وسماه (أخبار مصر)،
وانتهى الينا منه قسم يبدأ في سنة 439هـ وينتهي سنة 553هـ، وهذا الذيل
هو الذي أشار إليه صاحب كشف الظنون فيما تقدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق