الاثنين، 12 أبريل 2021

حلاوة الإيمان

 حلاوة الإيمان


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما

سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر

كما يكره أن يقذف في النار]

(متفق عليه عن أنس).



إن للإيمان حلاوة ولليقين لذة، وحلاوة الإيمان هي الثمرة اليانعة التي يجنيها

المؤمن من تمسكه بدينه، وطاعة ربه، وعلى هذا فحلاوة الإيمان يجب أن

تحل في قلب كل مسلم، ليتذوق طعم السعادة الروحية، وليشعر بنعمة القناعة

والرضا، ولتظهر آثار الإيمان على جوارحه وأعماله.



ولحلاوة الإيمان تأثير قوي في حياة الإنسان، فهي التي تبعث في نفسه روح

الشجاعة والإقدام، والجرأة الأدبية في قول الحق، وتربي فيه ملكة التقوى،

وتنير له سبيل الحق والهدى.



وحلاوة الإيمان تجعل المسلم راضيا عن ربه غير ساخط، مستسلما لحكمه

غير معترض، قانعا برزقه غير شره ولا حريص؛ ذلك أن من وجد حلاوة

الإيمان، وتذوق طعم اليقين، ولذة الطاعة يرى أن جميع ما يصيبه صادر

عن الله عز وجل، فهو يتقبله بقبول حسن، ويصبر عليه الصبر الجميل ،

فإذا مات ولده، أو فقد عزيزا عليه، علم أن الله هو واهب الحياة وقابضها،

وهو الذي أعطى ثم أخذ. وإذا افتقر بعد غنى أو مرض بعد صحة، علم أن الله

عز وجل هو الرزاق، وبيده مفاتيح الخزائن وعنه صدر الداء والدواء، ومنه

أتى المرض والشفاء، فهو في حالاته كلها صابر محتسب، راض بقضاء الله

وقدره، فلا يتبرم بالحياة، ولا يستاء من تصرفات الأقدار، ولا يجزع لمصيبة

تنزل به، بل يتلقى ابتلاء ربه بصدر رحب وأناة وحلم، وتصبر

وحكمة واتزان.



فحلاوة الإيمان تظهر عند الابتلاء، فكلما اشتد البلاء على المؤمن زاد إيمانه

وقوة تسليمه، وصبر وتجلد، إذ الابتلاء محك الإيمان،

وقد قال الحسن البصري رحمه الله:

"استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا".



ولا خير في إيمان لا يجد الإنسان له حلاوة في قلبه، وتأثرا في نفسه،

ولا يشعر ببرده وسلامه عند المصيبة والبلاء.



والإيمان المجرد عن هذا، إيمان أجوف لا يقام له عند الله وزن؛ فترى

صاحبه إذا ما اعترضته فتنة في ماله أو جسمه أو أهله، أصابه الهلع

والجزع، وتسرب إليه اليأس والقنوط، وشك في عدالة ربه، وكره الحياة

وتمنى الموت؛ فيكون بهذا قد دلل على ضعف إيمانه، قال الله تعالى:



{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ

وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ

ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ },.



إن حلاوة الإيمان مطلب عزيز، ولا يجدها المرء إلا بثلاثة أمور ذكرها

الحديث المتقدم آنفا:



أولها: أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما، ومحبة الله

عز وجل تقوم على الطاعة والعبادة، وامتثال الأمر، واجتناب النهي، ومحبة

النبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته، ونصرة دعوته، وهي طريق

موصلة إلى محبة الله عز وجل.. قال الله تعالى:

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }،

فمن أطاع الله واتبع دينه، فقد أحبه، ومن أحب الله بادله الله حبا بحب،

وكان في مقام الآمنين يوم القيامة.



وقد يقول قائل: كلنا نحب الله ورسوله!!

فنقول: ليست المحبة قولا بلا عمل، وادعاء من غير دليل، وإذا كانت المحبة

في القلب، فيجب أن تظهر آثارها على الجوارح وفي الأعمال،

وإلا فكيف تعصي الإله يا من تزعم حبه؟



إن زعمك باطل، فلو كنت صادقا في محبته لأطعته، أما علمت أن المحب

مطيع لمن يحب، فبالتقوى الحقيقية تكون المحبة الصادقة لله ورسوله.



تعصي الإله وأنت تظهر حبه .. هذا محال في القيـاس بديع

لو كان حبك صـادقا لأطعتـــه .. إن المحب لمن يحب مطيع



وثاني الأمور الموجبة لحلاوة الإيمان، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله،

وهذا يوجب أن تكون المحبة بين المؤمنين قائمة على الصدق والإخلاص،

والتعاون والإيثار، وأن يقصد بها وجه الله تعالى، بمعنى أن تكون المحبة

منزهة عن المطامع المادية، والأغراض الشخصية والأنانية، والتعاون

على الإثم والعدوان، وقد جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله

في ظله يوم القيامة:

[ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه].



فالإيمان لا يكمل وحلاوته لا توجد إلا بمحبة الناس وإرادة الخير لهم،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه].



فيجب أن تسود بين المسلمين روح المحبة الأخوية الصادقة، إذ هي جزء من

العقيدة والإيمان، وأساس الحياة الاجتماعية في الإسلام، وبها كان المسلمون

مضرب المثل في التواد والحب والتراحم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

[لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا].



والثالثة: كراهة العودة في الكفر، وهي آخر الأمور الموجدة لحلاوة الإيمان

التي وردت في الحديث، والمعنى أن الذي يكره أن يلقى في النار ويقذف في

الجحيم عليه أن يكره كراهة حقيقية، ويبتعد بعدا كاملا عن كل ما يؤدي إلى

النار من ضلال وفسوق وعصيان، وعليه أن يكون كرهه وبغضه للكفر

وأسبابه، كبغضه لأن يلقى به في النار، يتقلب على جمرها ويعذب بحرها،

وهذا دليل الإيمان وعنوان التقوى.

وبعد فحلاوة الإيمان نور يقذفه الله عز وجل في قلب العبد،

ثوابا له على حسن طاعته وتقواه.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حلاوة الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق