الاثنين، 21 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (60)

 موسوعة المؤرخين (60)


ابن عباس المؤرخ الإسلامي الأول (الجزء الأول)
هُيئ لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إليها ما لم يتهيأ
لغيرها من المدن في شتى أرجاء المعمورة، إذ صارت مهبط الوحي، وصلة
الأرض بالسماء، وحاضرة الإسلام الأولى، وسكنها جيل فريد من صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما شهد العالم مثله في سموه ورفعة
أخلاقه، وكيف لا ؟! وقد رباه الرسول صلى الله عليه وسلم وصنعه
على عينه، حتى صار أفراده مصابيح هدىً تضيء للناس.

وقد قدر لهذا الجيل أن يشهد بنفسه الأحداث التاريخية التي وقعت عند بزوغ
الإسلام – حيث كانت المدينة مسرحاً لأكثرها – فحكاها كما شاهدها لمن خلفه
دون زيادة أو نقصان، مستشعراً في ذلك المسئولية الملقاة على عاتقه من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح ابن حبان:

"من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار "

، وواضعاً نصب عينيه حديث نبينا صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري:

"من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"،

وعلى أيدي هؤلاء وضعت النواة الأولى لمدرسة المدينة التاريخية، حيث كان
لها بذلك ما يميزها على غيرها من المدارس التاريخية الأخرى.

وكان على رأس هؤلاء الصحابة الأجلاء الذين خدموا التاريخ في بدايته
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، والذي تنوعت معارفه
وتعددت حتى شملت سائر العلوم الإسلامية من تفسير وحديث وفقه ولغة وتاريخ ومغازٍ
حتىسمي "البحر" لغزارة علمه، وانتهت إليه الرياسة في الفتوى والتفسير.

قال عطاء: ما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس، أصحاب الفقه عنده،
وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كأنه في واد واسع،
وبلغ من منزلته ومكانته أن الخليفتين عمر وعثمان رضى الله عنهما كانا
يدعوانه ليشير عليهما مع أهل بدر -رغم حداثة سنه- ولا غرو فقد أصابته
دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري

" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
وفي رواية أخرى "وعلمه الحكمة".

أما الدليل على أنه كان للتاريخ عنده حظه ونصيبه فهو قول عبيد الله
بن عتبة : "كان ابن عباس يجلس يوماً ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً
التأويل، ويوماً المغازي، ويوماً الشعر، ويوماً أيام العرب" وقول الواقدي:
"حدثني فائد مولى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن جدته سلمى قالت:
رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح، يكتب عليها شيئاً من فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ويقول ابن عباس نفسه:
"كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله
صلى الله عليه وسلم وما نزل من القرآن في ذلك".

وقول عطاء : "كان ناس يأتون ابن عباس للشعر، وناس للأنساب،
وناس لأيام العرب ووقائعها، فما منهم من صنف إلا يقبل عليه بما شاء".

وقد وردت إلينا عن ابن عباس مرويات تاريخية كثيرة عند ابن إسحاق
والواقدي وابن سعد والطبري، تظهر لنا مدى الحس التاريخي المبكر لديه،
وتؤكد لنا صحة ما قيل عنه.

وقد تناولت هذه المرويات: نشأة الكون، وعمر الأرض، وخلق الليل والنهار،
وابتداء الخلق، وسلطان إبليس في الأرض قبل خلق آدم عليه السلام، وقصة
خلق آدم عليه السلام، وقصة هبوط آدم وحواء إلى الأرض، وبداية ظهور
عبادة الأصنام، وقصة نوح عليه السلام، وحاله مع قومه، وخبر الطوفان،
وعدد من نجا معه، وتفرق أولاده في الأرض.

وقصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود (الملك الذي حآجه) وأخباره
مع قومه، ونقل إبراهيم هاجر وإسماعيل عليهما السلام إلى مكة، وبناء
إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام، ودعوة إبراهيم الناس إلى الحج، وقصة نذر
إبراهيم ذبح إسماعيل عليهما السلام، وميلاد إسحاق بن إبراهيم عليهما
السلام، وقصة لوط عليه السلام مع قومه، وقصة يوسف عليه السلام،
وقصة موسى عليه السلام، مع الخضر، وقصة موسى مع فرعون، وعبور
بني إسرائيل البحر وإغراق فرعون، وقصة قارون مع موسى عليه السلام،
وظهور العمالقة على بني إسرائيل.

وقصة سليمان عليه السلام، وحمل مريم بالمسيح عليهما السلام، وقصة بني
إسرائيل مع يحيى بن زكريا، وقصة أصحاب الكهف، وهذه الأخبار
لم يتناولها ابن عباس لذاتها، وإنما من خلال تفسيره للآيات القرآنية
التي أشارت إليها.

كما ورد عنه أيضاً بعض الأخبار التي تتحدث عن تاريخ العرب قبل الإسلام،
مثل أخباره عن ملوك حمير باليمن، وغلبة الحبشة على اليمن، ومحاولة
ملكهم صرف الناس العرب عن الحج إلى مكة إلى كنيسته التي بناها، وبعض
الأخبار عن سيرة رسول الله مثل: حادث ميلاده صلى الله عليه وسلم،
وضم أبي طالب رسول الله إليه بعد وفاة عبد المطلب، وزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم بخديجة بنت خويلد، ونزول الوحي عليه
وهو في سن الأربعين.

وإعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة الله بعد أن نزل عليه
من القرآن

{وَأَنذِرْ‌ عَشِيرَ‌تَكَ الْأَقْرَ‌بِينَ}
[الشعراء:214]،

وموقف أبي لهب من إعلان الدعوة، وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بني هاشم في بيته على مأدبة طعام لدعوتهم إلى الله، ومحاولة قريش إغراء
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمال والملك ليتخلى عن دعوته، وما كان
يلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذاء المشركين له، وتاريخ هجرته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق