الثلاثاء، 22 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (61)

 موسوعة المؤرخين (61)


ابن عباس المؤرخ الإسلامي الأول (الجزء الثاني)
تحدث عن بعض الغزوات والسرايا مثل: سرية نخلة، وغزوة بدر، وقصة
مقتل كعب بن الأشرف اليهودي؛ بسبب تحريضه المشركين على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وغزوة أحد، وحمراء الأسد، وحصار بني النضير،
وصلح الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين.

كما ورد عنه بعض المرويات عن أحداث وقعت في عصر الخلفاء الراشدين
مثل خبر وقوع عبد الله بن حذافة في أسر الروم، ومقتل الخليفة
عثمان بن عفان على أيدي السبئية.

ومروياته حول هذا الأمر تبين إعظامه لمقتل عثمان رضي الله عنه، حتى
قال: "لو أن الناس أجمعوا على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم
لوط" كما أنها ترد على من زعم أن علياً رضي بقتل عثمان أو لم ينكره فقال
: "أشهد على علي أنه قال في قتل عثمان: لقد نهيت عنه، ولقد كنت كارهاً،
ولكني غُلبت"، وليس هناك شهادة تعلو فوق شهادة ابن عباس في هذا الأمر
فقد كان من أقرب الناس إلى علي، وأعلمهم به.

هذا وقد ساعدت معرفة ابن عباس الواسعة بالتفسير، وأسباب نزول الآيات
في أن يدعم أكثر مروياته التاريخية بالآيات القرآنية التي لها صلة بالحادثة،
أو مرتبطة بها مثل قوله : هذه الآيات نزلت في بني قينقاع

{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُ‌وا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُ‌ونَ إِلَىٰ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
[آل عمران:12].

ومثل قوله عن الآية

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ...}
[النحل:126]

قال : نزلت لما قتل حمزة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"والله لئن أظفرنا الله عليهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد
من العرب". وعن قوله تعالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا...}
[آل عمران:169]

قال : نزلت لما أصيب أصحاب الرجيع، وقال فيهم رجال من المنافقين:
يا ويح هؤلاء الذين هلكوا، لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة
صاحبهم، وهكذا نرى ذلك في كثير من مروياته عن غزوات رسول الله
صلى الله عليه وسلم.

وابن عباس بهذا الفعل قد أكد منذ وقت مبكر على أن علم التاريخ هو جزء
من الثقافة الإسلامية، وينبغي ألا يدرس بمنأى عنها، وسلك هذا المنهج بعده
واتبعه كل من كتب في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ
الإسلامي من الكتاب الأوائل، لكن مع انضمام الإخباريين إلى ساحة الكتابة
التاريخية، وحصر غاية التاريخ في كثير من الأحيان على مجرد جمع الأخبار
وتدوينها ضعفت صلة التاريخ شيئا فشيئا بسائر فروع العلوم الإسلامية.

ورغم عظم دور ابن عباس في مجال الرواية التاريخية إلا أنه لا يمكن
التسيلم بصحة كل ما نسب إليه من المرويات التاريخية؛ لأن شخصيته
من الشخصيات التي استغلها الوضاعون لمكانته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم من جانب، ومن جانب آخر لأنه كان من نسله الخلفاء
العباسيون الذين كان يتقرب إليهم مرضى القلوب بكثرة المروي عن جدهم،
ليس في التاريخ فحسب، وإنما في كثير من الفنون حتى قال الشافعي:
"لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث" رغم أنه لا تكاد
تخلو آية من القرآن إلا ويورد له فيها قول، وهذا يدل على مدى ما كان
يختلقه الوضاعون وينسبونه إليه.

هذا في مجال الحديث والتفسير، فإذا ما جئنا إلى التاريخ الذي هو مجال
بحثنا، وجدنا روايات متعددة منسوبة إليه ولا يمكن التسليم بصحتها، مثال
ذلك ما ذكره السيوطي في الخصائص عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس
أنه قال "قال عبد المطلب: قدمنا إلى اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر
من اليهود، فقال رجل من أهل الزبور: ممن الرجل؟ قلت: من قريش، قال:
من أيهم؟ قلت: من بني هشام، قال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم،
ما لم يكن عورة، قال: ففتح إحدى منخري فنظر فيه، ثم نظر في الأخرى
فقال: أشهد أن في إحدى يديك مُلكاً وفي الأخرى نبوة. وإنا نجد ذلك
في بني زهرة .

ولست أدري ما علاقة النبوة بالأنف، ولو سلمنا جدلاً أن الكتب السابقة
بشرت بذلك، فهل في الكتب السابقة أن عبد المطلب وابنه عبد الله
سيتزوجان من بني زهرة؟! وهل فيها ما يبشر أو يشير إلى ملك بني العباس
؟! أظن ذلك من القصص التي وضعها القصاصون بعد استقرار
الخلافة العباسية.

وأعجب من ذلك ما أورده السيوطي منسوباً إليه أنه "كان من دلالات حمل
رسول الله أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة، وقالت حمل برسول الله
– ورب الكعبة – وهو إمام الدنيا وسراج أهلها، ولم تبق كاهنة في قريش،
ولا في قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبها، وانتزع علم الكهنة
منها.. وسرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات، وكذلك
أهل البحار" .

ومن ذلك أيضاً الروايات التي وردت حول النزاع بين علي ومعاوية
رضي الله عنهما – والتي تبرز ابن عباس دائماً على أنه صاحب الرأي
السديد، وأن علياً ما أحاطت به الشدائد إلا لمخالفته رأي ابن عباس
رضي الله عنهما انظر مثلاً في رواية الطبري عن خروج عائشة
رضي الله عنها إلى البصرة دون الكوفة، وفرح علي لذلك، فقال ابن عباس:
"إن الذي سرك من ذلك ليسوءني، إن الكوفة فسطاط فيه أعلام
من أعلام الكوفة".

وعند التحكيم يقول -أي ابن عباس- قبح الله رأي أبي موسى، حذرته وأمرته
بالرأي فما عقل، ومثل قوله لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، أنت رجل
شجاع لست بأرب الحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الحرب خدعة.... " أما والله لإن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورود، ولأتركنهم في دبر الأرض، لا يعرفون ما كان في وجهها، في غير نقصان
عليك ولا إثم..... فقال علي : يابن عباس لست من هنياتك وهنيات
معاوية في شيء .

وقد يكون في هذه المرويات بعض الصحة، ولكنها أخذت طابع المبالغة،
وعلى كل حال فإنه رغم الشكوك التي دارت حول بعض مرويات ابن عباس،
وما لفقه أو نسبه له الوضاعون، فإن ذلك لا يقلل من مكانته الريادية
في هذا الفن.

خاصة أن النقاد قد اتبعوا سلسلة رواته، فعدلوا بعضاً، وجرحوا بعضاً حتى
يكون القارئ على بينة، وحتى لا يقف وقفة المرتاب تجاه مروياته، فقالوا
مثلاً : طريق معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن ابن عباس من أجود
الطرق عنه، إذ اعتمد عليها البخاري، وكذلك ابن جرير الطبري
، وابن أبي حاتم، وابن المنذر ومسلم.

وطريق عبد الملك بن جريج عن ابن عباس تحتاج إلى دقة في البحث
ليعرف الصحيح منها والسقيم .

وطريق الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس غير مرضية . وطريق
محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أوهى طرقه، فإذا
انضم إلى ذلك محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب.

هذا وقد تتلمذ على ابن عباس كثير من التابعين الذين كان لهم دور كبير
في نمو وازدهار الدراسات التاريخية مثل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير وغيرهم.

ولكن اشتهر من بين تلاميذ ابن عباس الذين سبق ذكرهم رجلان كان لهما
عناية خاصة بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحداث التاريخ
الإسلامي في عصر الخلفاء الراشدين وهما: سعيد بن المسيب
وعروة بن الزبير بن العوام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق