الاثنين، 4 أكتوبر 2021

إلى الراكضين خلف السراب

 

إلى الراكضين خلف السراب


كلما تخففتَ من الحياة اقتربت من السعادة، لا أعني بذلك أن تعيش على
هامشها، إنما أقصد التزامك طريقًا تعرفه بحدود وترك المساحة الأخرى
لذاتك واهتماماتك وعباداتك، بعضهم يفني عمره ويقطّعه في كل مجال؛
فمنذ استيقاظه وإلى أن يسدل الليل ستاره وهو في شغل وكدح، حتى أقرب
الناس إليه قد لا يلتقون به إلا ما ندر، وإن تلاقوا انشغل عنهم بهاتف
ورسالة، فجواله لا يهدأ، اتصالات، وتحويلات، ومواعيد، وقضايا، كلها
تحت سقف جمع المال، إلى متى هذا الركض خلف السراب؟!.

أتراه سيبعث ومعه ماله؟! وهل سينفعه ويحل به العويصات هناك في
العرصات كما كان يفعل في الدنيا؟ لا وألف لا، سيقول وقتها

{ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ }
[الحاقة: 28، 29]،

ستبعث عاري الجسد، وعاري الرصيد، وعاري الوساطات والمعارف،
ستسقط الألقاب وتتلاشي الفوارق. والعملة الصعبة في ذلك الوقت حسنتك
البيضاء، سترى أناسًا كنت تعدهم من المغفلين، كنت تزدريهم وتنظر
إليهم كجيب فارغ لا يعني لك شيئا، واليوم أكثر أهل الجنة منهم، اليوم
يضحكون ويستبشرون ويعوضهم الرحمن عن كل حرقة قلب، ودمعة
عين، ونظرة مجتمع، اليوم يحلّون أساور من ذهب ويلبسون الحرير
ويتكئون على فرش بطائنها من استبرق.

أخي الغارق في جمع الأموال الناسي لنفسك، مالك الذي تكدّس وتجمع
ستلاقاه أمامك على موازين الحساب، فانظر في أي الكفتين تضعه، اليوم
هو لك تتصرف فيه كيفما شئت وغدا هو عند ورثتك قد يبخلون بصدقة
منه على روحك!! هو مال تعبت وشقيت من أجله وأنت أولى به، وأحوج
إليه حين تلقاه أمامك يوم تطيش الصحف، وتذهل المراضع عما أرضعت،
وترى الناس سكرى وماهم بسكري ولكن عذاب الله شديد.

يقول أبو العتاهية حين استدعاه الرشيد فقال له:
صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعيم، فقال له:
عش ما بدا لك سالما
في ظل شاهقة القصور
يُسعى عليك بما اشتهيت
لدى الرواح إلى البكور
فإذا النفوس تقعقعت
في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرور

فبكى الرشيد بكاء كثيرًا شديدًا، فقال الفضل بن يحيى لأبي العتاهية:
دعاك أمير المؤمنين تسره فأحزنته! فقال له الرشيد: دعه فإنه
رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق