الأحد، 3 أكتوبر 2021

واصبر نفسك

 

واصبر نفسك...


قال الله تعالي في كتابه العزيز:
{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
[الكهف: 28].

أتذكر جيدًا أن الله سبحانه وتعالى كان يشدُّ عَضُدي، كلما ضعُفت أمام
نفسي الأمارة بالسوء والشيطان بالصحبة الصالحة التي تُعينني على فعل
الخيرات، ها أنا في عمر الزهور؛ حيث الورد تتفتح وتنبهر في هذه الدنيا،
وعندما تكون مُدلَّلة من قِبل الجميع؛ لأنها الصغرى ونشأت من غير أبٍ؛
مما جعل كلَّ مَن حولي ينفذِّون ما أريد، ولن أسمع كلمة "لا" في حياتي.

أتذكر جيدًا الأم التي تأتيني على صورة معلمة
تنصحني بارتداء الحجاب فأفعل.

ثم أجد نفسي بين صحبة لا تعرف معنى الحجاب فأخلع وأجرى وراءهن؛
حيث قلوبهم متعلقة بالمسلسلات والأغاني، وتتبع كل ما هو جديد
من حياة النجوم كما يعتقدْنَ.

فأجد نفسي مرة أخرى يُنجِّيني الله بصديقات قلوبهن متعلقة بالمساجد
فأرتدي الحجاب، ولأول مرة أسمع عن دروس العلم والمشايخ الذين
تكوَّنت لديَّ صورة معينة عنهم من خلال مشاهدتي للإعلام الفاسد،
ثم يشاء الله أن أترك كل ذلك، ونأتي إلى بلاد تخالف ما تربينا عليه دينًا
وعادةً وأخلاقًا، فيُيَسِّر الله لي صديقات ليس بالصلاح يوصفْنَ ولا
بالفساد، ولكن لا أكذب أني أدمنت مرةً أخرى الأغاني، حتى كنت
لا أنام إلا وفي أذني سماعات أسمع الأغاني، سامحني الله.

فتمر الأيام، وها أنا أتخرج في الثانوية، وييسر الله دخول الجامعة،
وفرحة أمي الحبيبة تكاد لا تُوصَف، هي كل أمنيتها أن تراني متعلمة،
وقد نِلْتث أعلى الشهادات، لم يكن لديَّ رقيب سوى نفسي وربي، فأحمده
سبحانه أن سخَّر لي مجموعة من الأخوات المسلمات، يعملن في الجامعة
لصالح المسلمين، ولديهم نشاطات؛ منها: إيجاد مكان لأداء المسلمين
الصلاة، وتعريف غير المسلمين بالإسلام، وإعداد إفطار للطلبة المبتعثين
من الخارج، والعديد من الأنشطة الخيرية بفضل الله، وفي نفس الوقت
تعرفت على صُحبة القرآن، فتعلقت بالتجويد، وصِرتُ لأول مرة أسمع
مصطلحات جديدة؛ كالإظهار، والقلقلة، فتعجبت أين كنت أعيش كل هذه
السنين، مع إصرار أمي ألَّا أنشغل إلا في دروس الجامعة، وكل شيء آخر
أستطيع فعله لاحقًا، لكن كنت أجد حلاوة في هذه الدروس، وكأني أعيش
في كوكب آخر، لا أخفي عليكم أني كنت أرجع لصديقاتي القديمات،
فأنشغل عن هذه الدروس ولا أذهب إليها، وأسمع كلام أمي - ربي يذكرها
بالخير - فهي لم تكن تعلم أن القرآن هو الذي كان ينير لي طريقي.

فأنتكس وأرجع لسابق عهدي، ثم يشاء الله مرة أخرى أن يرسل تلك
الإنسانة التي لا أنسى لها هذا الجميل أبدًا، أتذكر ذلك اليوم جيدًا كان
في رمضان، وكنت وعدتُ إحدى صديقات الجامعة أن نذهب للإفطار معًا،
فتأتي هذه المباركة فتدعونا إلى إفطار، وحفل لختم القرآن، عندها أسمع
عن شيء يُقال له: "إجازة"، وأرى أخوات كنت أحضر معهن دروس
التجويد، فيتعلق قلبي بهم مرة أخرى، وأرجع لهذا العالم الذي عاهدت
نفسي من وقتها ألَّا أتركه مهما كانت الظروف، إنهم صحبة القرآن
وأهل القرآن، أسأل الله العظيم ألَّا يحرمني منهم ما حييت.

نصيحتي لكل من يقرأ صفحة من صفحات كتاب حياتي:
أولًا: أن يجاهد في تربية أولاده، لا يكُنْ نصب عينيك فقط أن يتعلموا
علوم الدنيا، ولكن عرِّفهم بأمور دينهم، واربطهم دائمًا بصحبة صالحة،
بالأخص صحبة القرآن؛ لأنه سوف يأتي عمر لا يسمعون لك، والصديق
يكون لهم بمثابة الأب والأم.

ثانيًا: كن لأولادك الحِضن الحاني الذي يضمهم عندما تقسو عليهم
هذه الدنيا المملوءة بالصعاب والشدائد.

ثالثًا: لا تقطع علاقتك بالقرآن، والله ثم والله لا عَيْشَ في هذه الدنيا
يساوي شيئًا من غيره؛ إنه كلام ربنا، فيه تنزل البركات والرحمات،
فيا حسرة من يتركه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق