السبت، 13 فبراير 2016

أهل الصدق إذا دخلوا في السماع الباطل

 
 
و لهذا كان بعض الصادقين إذا فارق السماع
بادر إلى تجديد التوبة و الاستغفار ،
 و أخذ في أسباب التداوي التي يُدفع بها موجب أسباب
 القبض و الوحشة و البعد.
 
و هذا القدر إنما يعرفه أولوا الفقه في الطريق أصحاب الفِطَن ،
 المعتنون بتكميل نفوسهم ، و معرفة أدوائها و أدويتها و الله المستعان.
 
 و لا ريب أن الصادق في سماع الأبيات قد يجد ذوقاً صحيحاً إيمانياً ،
 و لكن ذلك بمنزلة من شرب عسلاً في إناء نجس.
 
 و النفوس الصادقة ذوات الهمم العالية رفعت أنفسها عن الشراب
 في ذلك الإناء تقذراً له ، ففرت منه لاستقامتها و طهارتها ،
 و علو همتها فهي لا تشرب ذلك الشراب إلا في إناء يناسبه ،
 فإذا لم يجد إناء يناسبه صانت الشراب عن وضعه في ذلك الإناء ،
و انتظرت أن يليق به.
 
 و غيرها من النفوس تضع ذلك الشراب في أي إناء انفق لها ؛
من عظام ميتة أو جلد كلب أو خنزير أو إناء خمر ،
 طالما ما شرب به الخمر ،
 
 أو لا يستحي الغراب أن يشرب أطيب شراب
 و ألذه في هذه الآنية ؟
 
و لو جرَّد الصادق ذلك في حال سماعه لوجد ذوقه من ذلك ،
 و لكن حلاوة العسل تغيب عنه نتنه و قذره و أثر قبحه
على قلبه في تلك الحال ، فبعد مفارقته يوجب له ذلك وحشةً و قبضاً ،
 هذا إذا كان صادقاً في حاله مع الله و كان سماعه لله و بالله.
 
و أما إن كان كاذباً كان سماعه للذة نفسه و حظه فهو يشرب النجاسات
في الآنية القذرات و لا يحس بشيء مما ذكرناه ؛
لاستيلاء الهوى و النفس و الشيطان عليه.
 
و أما صاحب السماع القرآني الذي تذوَّقه ، و شرب منه ،
 فهو يشرب الشراب الطهور ، الطيب النظيف في أنظف إناءٍ ،
 و أطيبه ، و أطهره .
 
 فالآنية ثلاثة :
نظيف ،
 و نجس ،
 و مختلط.
 
 و الشرابات ثلاثة :
 طاهر
و نجس
 و ممزوج .
 
 
أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق