الاثنين، 19 ديسمبر 2016

ما لكم لا ترجون لله وقارا

من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس
وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره، فإنك توقر المخلوق
وتجله أن يراك في حال لا توقر الله أن يراك عليها ..
 
قال تعالى:
 
 { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا }
 [نوح: 13]
 
أي: لا تعاملونه معاملة من توقرونه، والتوقير: العظمة.
ومنه قوله تعالى:
 
 {.. وَتُوَقِّرُوهُ ..}
[الفتح: 9]
 
قال الحسن:
"ما لكم لا تعرفون لله حقًا ولا تشكرونه؟!" ..
 
 قال مجاهد:
"لا تبالون عظمة ربِّكم" ..
 
 وقال ابن زيد:
"لا ترون لله طاعة".
 
 وقال ابن عباس:
 "لا تعرفون حق عظمته".
 
وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو:
أنهم لو عظموا الله وعرفوا حق عظمته، وحدوه وأطاعوه وشكروه ..
فطاعته سبحانه واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب .
 
ومن وقاره ألا تعدل به شيئا من خلقه، لا في اللفظ .. بحيث تقول :
 والله وحياتك، ما لي إلا الله وأنت، وما شاء الله وشئت .
ولا في الحب والتعظيم والإجلال، ولا في الطاعة .. فتطيع المخلوق
في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم، كما عليه أكثر الظلمة والفجرة،
ولا في الخوف والرجاء. ويجعله أهون الناظرين إليه ، ولا يستهين بحقه
ويقول: هو مبني على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة، ويقدم حق
المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حد وناحية، والناس في ناحية
وحد ، فيكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه
الله ورسوله، ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه ويعطي الله
 في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه
 مقدمًا على مراد ربِّه .
 
فهذا كله من عدم وقار الله في القلب، ومن كان كذلك فإن الله لا يلقي له
في قلوب الناس وقارا ولا هيبة .. بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم،
وإن وقروه مخافة شره فذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم.
 
ومن وقار الله: أن يستحي من اطلاعه على سره وضميره فيرى فيه
 ما يكره . ومن وقاره أن يستحي منه في الخلوة
 أعظم مما يستحي من أكابر الناس .
 
والمقصود أن من لا يوقر الله وكلامه وما آتاه من العلم والحكمة،
 كيف يطلب من الناس توقيره وتعظيمه ؟ !
 
القرآن والعلم وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم صِلات
من الحق وتنبيهات وروادع وزواجر واردة إليك، والشيب زاجر
 ورادع وموقظ قائم بك،
فلا ما ورد إليك وعظك؟! .. ولا ما قام بك نصحك ؟!
ومع هذا تطلب التوقير والتعظيم من غيرك ؟!
 
فأنت كمصاب لم تؤثر فيه مصيبته وعظًا وانزجارًا، وهو يطلب من غيره
أن يتعظ و ينزجر بالنظر إلى مصابه. فالضرب لم يؤثر فيه زجرا
وهو يريد الانزجار ممن نظر إلى ضربه .
 
من سمع بالمثلات والعقوبات والآيات في حق غيره ليس
كمن رآها عيانًا في غيره، فكيف بمن وجدها في نفسه؟ ..
 
{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
[فصلت: 53]
 
فآياته في الآفاق مسموعة معلومة، وآياته في النفس مشهودة مرئية،
فعياذًا بالله من الخذلان .
 
المصدر:
كتاب الفوائد (1:207,209)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق