الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

زوال الدنيا


 
عباد الله:
أين الحسرات على فوت أمس أين العبرات على مقاسات الرمس
 أين الاستعداد ليوم تدنو فيه منكم الشمس،
 
 { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
[مريم: 39] .
 
 
اعلم أخى أن
 التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه،
 وليس ما يفنى وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً،
واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل
راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة
الخاتلة التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها،
وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلولة .
 
أخى احذر الدنيا
كل الحذر فإنها مثل الحية لين مسها وسمها يقتل، فأعرض عما يعجبك
فيها لقلة ما يصحبك منها، وضع عنك همومها لما عانيت من فجائعها
وأيقنت به من فراقها، وشدد ما اشتد منها لرخاء ما يصيبك وكن أسر
ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور
له أشخصته عنها بمكروه، وكلما ظفر بشيء منها وثنى رجلاً عليه انقلبت
به، فالسار فيها غار، والنافع فيها غدا ضار، وصل الرخاء فيها بالبلاء،
وجعل البقاء فيها إلى فناء، سرورها مشوب بالحزن، وآخر الحياة فيها
الضعف والوهن، فانظر إليها نظر الزاهد المفارق، ولا تنظر نظر العاشق
الوامق، واعلم أنها تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المغرور الآمن،
 لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدري ما هو آت فيها فينتظر .
 
أخى أمس فحكيم مؤدب، وأما اليوم فصديق مودع، غير أن أمس وإن كان
قد فجعك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته، وإن كنت قد أضعته فقد جاءك
خلف منه وقد كان عنك طويل الغيبة وهو الآن عنك سريع الرحلة، وغدا
أيضاً في يديك منه أمله. فخذ الثقة بالعمل، واترك الغرور بالأمل قبل حلول
 الاجل، وإياك أن تدخل على اليوم هم غد أو هم ما بعده، زدت في حزنك
وتعبك وأردت أن تجمع في يومك ما يكفيك أيامك، هيهات كثر الشغل وزاد
الحزن وعظم التعب وأضاع العبد العمل بالأمل .
 

فوائد من كتاب الزهد الجزء الاول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق