الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

انتفاضة الأحياء



فمع أن العين مبصرة لما حولها ، لكنها لو رأت مشهدا محرّما
فلن يُمكِّن القلب الحي الخواطر منه بحال ، ومع أن الأذن مصغية ؛
 لكنه لو كان الحرام لارتعدت وجلا ، وبنت على الفور سدا منيعا وحجابا
حاجزا بينها وبين ما يُغضب الله ، وإذا جلس صاحب هذا القلب مجلسا
وتسلل إليه الحرام للمحه على الفور وتسلل خارجا في الحال إن لم يقدر
على التغيير والمواجهة ، وهذا هو مصدر سلامة هذا القلب
وعنوان نقائه. قال تعالى
 
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
 فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }
[ الأعراف : 201 ]
 
وتأمل قوله ﴿ مَسَّهُمْ ﴾ الدال على إصابة غير مكينة ، وذلك بسبب فزعهم
إلى الله ليعصمهم من الشيطان عند ابتداء خواطره ؛ فإن الخواطر
 ولادة إن أُهملت لم تلبث أن تصير شهوة ، ثم تصير الشهوة إرادة ،
 ثم تصير الإرادة عزما ، ثم يتحول العزم عملا.
 
وتأمل قوله ﴿ طَائِفٌ ﴾ وكأن خواطر الشر طافت بهم ، ودارت حولهم فلم
تقدر أن تدخل إليهم وتؤثِّر فيهم لقوة قلوبهم ويقظة إيمانهم ، فهم كمن
طاف به الخيال ولم يجرؤ على أن يدفعهم إلى الفعال ، والطائف يُطلق
على الذي يمشي حول المكان ينتظر الإذن له بالدخول ، فشبَّه الله الخاطر
في ابتداء وروده في النفس بحلول الطائف على المكان

 دون أن يستقر فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق