الأربعاء، 21 فبراير 2018

الفقر والحسد

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال

♦ الملخص:
شابٌّ حسد صديقه وبدأ يكرهه بسبب عمه الثري، وسبب الحسد
هو أنه يعيش في حرمان مادي شديد، وحالته النفسية صعبة.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ عمري 30 عامًا، لديَّ صديق أحبه وأحترمه جدًّا، وهذا
الصديقُ لديه عم تاجر بنى بيتًا واشترى سيارة، ولديه ثروة كبيرة.

حسدتُ صاحبي هذا على عمه، وأصبحتُ أكرهه، وإذا ذكر عمه أمامي أتألَّم،
مع أني لا أعرفه شخصيًّا!
ليس هذا بيدي، فأنا أعيش حرمانًا ماديًّا شديدًا، وحالتي النفسية صعبة،
وأريد الانتحار!
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه،
أما بعدُ:

قد أحسنتَ - أيها الأخ الكريم - حينما صدقتَ مع نفسك فاعترفتَ بوجود
تلك الخصلة السيئة فيها، وهذه بلا شك بدايةٌ مُوفَّقة للعلاج، فأولى
خطوات العلاج الصحيح هو اعتراف الإنسان بالمشكلة، ثم معرفة
مقدار قُبحها، ثم اتباع إرشادات العلاج.

أما قبح الحسد الذي أعيذك بالله العظيم أن تكون من أهله،
فلا أظنه يخفى عليك وأنه كان السبب الرئيس وراء أول ذنب ع
ُصي الله به؛ أعني: حسد إبليس لآدم عليه السلام؛
فأبى واستكبر عن السجود لآدم.

كما أنه أول ذنب عُصي الله به في الأرض؛ فحسد أحد ابني آدم أخاه فقتله،
ثم ورث اليهود ميراث الحسد كله، فحسدوا النبي فدفعهم لعدم الإيمان به،
ثم كان السبب لصرف كفار قريش عن الإيمان بالله، إلى غير ذلك.

والذي يدعو الإنسان لسرعة تطهير قلبه ومسارب نفسه مِن هذا الداء الدفين:
أنه إساءة للأدب مع الله، واعتراض على حكمته وعدله،
وليت الحاسد إذ يرتكب كل هذا ينجو حتى في الدنيا؛ بل هو أول مَن
يجني عليه حسده، فصاحبه في هَمٍّ وغمٍّ وحزن وسهر؛
ولو سأل الله تعالى فضله لكان خيرًا له.

أما العلاجُ الشرعي لِنَزْع داء الحسد مِن القلب، فلا يكون بالانتحار
ولا بغيره مما يخسر صاحبه دنياه وأخراه، وإنما يحتاج لصبرٍ وجهادٍ،
مع استعانةٍ بالله تعالى حتى تصل لحال المؤمن الذي إذا رأى نِعَم الله
تنزل على أخيه المؤمن فرح بها، وسأل الله مِن فضله، كما فعل نبي الله
زكريا عليه السلام حين رأى فضل الله على مريم فتوجه إلى الله الذي
وهَب مريم ورفع إليه حاجته؛
قال الله تعالى:
{ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى
لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ *
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ
سَمِيعُ الدُّعَاءِ }
[آل عمران: 37 - 38]،
فبداية العلاج تكون بصِدق التوجه إلى الله تعالى، والتعوذ به مِن
شرور النفس والشيطان، وألا يجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا، فأدمن دعاء
عباد الله المؤمنين:
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }
[الحشر: 10]،
و( اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة –
أو قال: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض –
رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي،
وشر الشيطان وشركه، وأن أقترفَ على نفسي سوءًا،
أو أجره إلى مسلم ).

ثانيًا:
تأمل في نِعَم الله الكثيرة عليك، واجعل محط نظرك إلى مَن هُم أقل
منك في العافية والمال والولد وغيرها، كما رواه مسلم عن أبي هريرة،
قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
( انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم،
فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله ).

فأنت إذا رأيتَ مِن فضل عليك في الدنيا طلبتَ نفسك مثله، واستصغرتَ
ما عندك مِن نعمة الله تعالى، وأما إذا ما نظرتَ لمن هو دونك ظهَرَتْ
لك نعمة الله تعالى عليك فتشكرها.

ثالثًا:
لا بد أن تعلمَ أن ما نتقلَّب فيه مِن نِعَم الله مُقَسَّم بين الناس بعدل وحكمة،
فهذا أعطي مالاً، وذاك رُزِق الولد، وهذا وجد عافيةً وحُرِمَ الولد؛
{ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ }
[النحل:71]،
والسعيدُ هو الذي يعرف نِعَم الله عليه ليؤدي شكرها، وأصل هذا الرضا
بالقضاء والقدر، والإيمان بأنه لن يحدثَ في كونه إلا ما أراده سبحانه.

رابعًا:
اعملْ على تهذيب نفسك، وخُذْها بقوةٍ، وامنعها من النظر إلى ما
عند الناس؛ كما قال تعالى:
{ وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ }
[طـه: 131].

خامسًا:
مما يُعينك على هدوء النفس تذكُّر الحساب، والمساءلة على كل نعمة؛
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
[التكاثر:8].
ومعرفة حقيقة فناء النعم والمنعم عليهم، وكما قيل:

وَمَا المَالُ والأَهْلُونَ إِلَّا وَدَائِعُ
وَلَابُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الوَدَائِعُ
فالأيامُ دُوَل!
سادسًا:
معرفة حقارة الدنيا، وأنها على الله لو كانتْ تُساوي جناح بعوضة
ما سقى كافرًا منها جرعة ماء، وتأمَّلْ هذا الحديث عن سهل بن سعد،
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فإذا هو
بشاة ميتة شائلة برجلها، فقال:
( أترون هذه هينة على صاحبها؟ فوالذي نفسي بيده، للدنيا أهون
على الله مِن هذه على صاحبها، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح
بعوضة ما سقى كافرًا منها قطرة أبدًا ).

سابعًا:
اجتَهِدْ في قَطْع الخواطر السيئة مِن بدايتها.
ثامنًا:
معرفة أضرار الحسد على الدين والصحة، فليس هناك ما يجلب
الهموم والأحزان ويُسبِّب الأمراض مثله.

وفي الختام قفْ وتأمَّلْ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ماضٍ فيَّ حُكمك، عدل في قضاؤك )،
وأنصحك باقتناء كتاب: طريق الهجرتين ؛
لشيخ الإسلام ابن القيم.

وراجعْ على شبكة الألوكة استشارة: أحسد نفسي والآخرين –
وسواس النظر أو الحسد.
أسأل الله أن يُصلح أحوال المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق