الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

كُفُّوا عن الجدال! (1)


الجدال يُقصَد به المحاجَّة أو المناظرة واستعراض الآراء المدعومة
بالحجج والبراهين التي تدعم رأي أحد المتجادلين أو تدعم وجهة نظره
على نظيره الآخر، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم تارةً بلفظ الجدال،
وأخرى بلفظ التحاج، وثالثة بلفظ المراء.
استخلف الله تعالى الإنسان في الأرض وأناطه بعمارتها وكلَّفه بأمانتها،
فزوَّده سبحانه بالقدرات والإمكانات التي تُمكنه من إيصال رسالته
وتعينه على أداء مهمته، التي أبت من حملها المخلوقات، فأشفق
الله منها فحملها الإنسان،

فهذه القدرات المميز بها الإنسان عن نظائره من المخلوقات الأخرى،
إنما هي إشفاقًا من الله على هذا الإنسان الظلوم الجهول.
والإنسان مدني بطبعه لا يعيش إلا داخل جماعة من بني جنسه يتفاعل
معهم، يؤثر فيهم ويتأثر بهم، ويأتي الجدال كمطلب من أهم متطلبات
هذا التفاعل، وذلك لحكمة بالغة وغاية نبيلة في استجلاب الحقوق
ودفع المظالم، وإعلاء الحق بحق ودحض الباطل بلا باطل.
ولهذه الحكمة السامية كان الإنسان وما يزال أكثر شيء جدلاً،
في عموم المخلوقات،
قال عنه ربه:
{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}
[الكهف:45]،

بيْدَ أنه سبحانه دعاه إلى الإيمان به واتباع شرعه، لضبط هذه الغرائز
وتنظمها بعيدًا عن القمع والكبت أو الإسراف وإطلاق العنان، وأما
حينما ينزوي الإنسان عن دائرة الإيمان تتمكن منه غرائزه وتسيطر
عليه سيطرة تامة، فتُقيِّد عقله وتجعله في مهمة إشباعها وتهيمن
على جوارحه، وتشغل قلبه، فيصير أسير تلك الغرائز، وبذلك تفقد
وظيفتها وتنحرِف عن مهمتها من مجرد وسيلة ضرورية وإشفاقًا من الله تعالى
على ذلك المخلوق لتحقيق غاية العمارة، إلى غاية في حد ذاتها،
فيرتد الإنسان من ذلك المخلوق المكرَّم إلى درجة أحط من درجات
البهيمية. إذن؛ الجدال ينطوي ضمن الغرائز المزود بها الإنسان
خليفة الله
في الأرض لتعينه على حمل تلك الأمانة، فما موقف الإسلام منه؟
وكيف ضبط الإسلام تلك الغريزة؟
والمتأمِّل لمصدري التشريع الإسلامي يجد أن النصوص تتعامل معه
تارةً على أنه مباح ومحبوب وأخرى على أنه مذموم ومكروه، فلنأخذ
كل نوع منهما بالتحليل:
أولهما: المحبوب وهذا اللون من الجدال قد جاء وصفه
في القرآن الكريم مرة بأنه أحسن:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
[العنكبوت:46]،
وثانية بأنه عن علم:
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
[آل عمران:66]،

وأخيرة بأنه ظاهر:
{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا}
[الكهف من الآية:22].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق