الأحد، 10 نوفمبر 2019

سلسلة أعمال القلوب (20)

سلسلة أعمال القلوب (20)


2- الفضول من كل شيء: الفضول من الأكل والشرب، والفضول من النوم

، والفضول من الكلام، والفضول من المخالطة والمجالسة، والفضول

من الضحك، كل شئ زاد من هذه الأشياء؛ فإنه يؤثر على قلب صاحبه،

فيفسد قلبه، الذي يأكل كثيراً؛ يقسو قلبه، والذي ينام كثيراً؛ يتبلد قلبه،

وتحصل له الغفلة، والذي يضحك كثيراً؛ لا تسأل عن لهوه وغفلة قلبه،

والذي ينظر كثيرا فيما يحل، وما لا يحل؛ لا تسأل عن شرود قلبه

ومعاناته..وهكذا في كثرة المخالطة لأن المخالطة



كما قال ابن القيم: لقاح وإنما يحتاج إليها لشحذ النفس، وتجديد العزيمة،

ودفع السآمة، والتقاط أطايب الكلام، وأما الإكثار من ذلك؛ فإنه يضر

ولا ينفع، فكل شيء من هذه الأشياء إذا أكثرت منه ضرك إلا العبادة،

فكلما أكثرت منها؛ كلما زاد ذلك صلاحاً في القلب،



يقول الفضيل بن عياض رحمه الله:

'خصلتان تقسيان القلب:كثرة الكلام وكثرة الأكل'

[نزهة الفضلاء779] .



ويقول أبو سليمان الداراني:

'لكل شيء صدأ وصدأ القلب الشبع'

[نزهة الفضلاء 864 ] .



إذا كان الإنسان يشبع في أول النهار- ولابد أن يشبع وإلا طلب الزيادة-

,ويشبع في وسطه، ويشبع في آخره، وإذا رأى أهله أن الطعام قد أكل أجمع؛

أسفوا لذلك، واعتقدوا أن ذلك لقلة في الطعام، فزادوه في اليوم الآخر !!

لابد أن يأكل ويأكل حتى يتوقف ويعجز، ثم تتبقى زيادة في الطعام لا تطيقها

نفسه.. هكذا نحن نربي أنفسنا، وهكذا نربي أبناءنا، ونردد حكمة سخيفة-

ولربما كتبناها في مدارسنا- :'أن العقل السليم في الجسم السليم' وهي حكمة

ساقطة، إنما الحكمة نبعها مع الجوع لا مع الشبع، والبخاري رحمه الله

حينما كان في مرضه الذي مات فيه جيء له بالطبيب، فنظر في بوله- حلله-

فقال :'هذا لم يأكل إلا خبز الشعير منذ عشرين سنة' .



أين أرطال اللحم؟! أين البروتينات بأقدار معلومة وأنواع النشويات؟!

أين الأشياء التي نسمن بها الأجساد، ونربي بها أبناءنا تربية العجول-

ونقلق إذا وجدنا الولد لا يأكل كما ينبغي ونذهب به إلى الأطباء؟! ونحن بذلك

نفسد قلبه وعقله، إنما التسمين للعجول وليس للآدميين ! وما يورث هذا

الأكل الكثير إلا بلادة وتخمة وكسلاً عن عبادة الله عز وجل- كما نرى-

وقسوة في القلوب، فيقرأ القرآن من أوله إلى آخره في صلاة التراويح،

وقد لا تجد خاشعاً واحداً ! من أين ذلك؟!

من هذه التخمة، فينبغي أن نتفطن لهذا المعنى.



وأكثر العلماء من السلف رضي الله عنهم كانوا من المرضى والسقمى،

ومن ذوي العاهات، هذا أعمى، وهذا أعرج- يعني: من المعاقين- وفيهم

من ألوان الأمراض والأوجاع، ويجوع الواحد منهم الأيام الطويلة وما

ضرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يمر الهلال، والهلال، والهلال، وما يوقد

في بيته نار ولربما خرج صلى الله عليه وسلم من بيته وما أخرجه إلا

الجوع، ولربما ربط حجرين على بطنه من شدة الجوع، وهكذا كان أصحابه

الذين فتحوا الدنيا وملئوها علماً وحكمة ونوراً، وبلغوه للعالمين.



أما نحن، فلما كانت عنايتنا بأجسامنا، وكثرت تلك المحلات التي تسمن

الأجسام، أو التي تقويها فتنفتل عضلات الإنسان- لربما على خيبه- لا ليعد

نفسه للجهاد في سبيل الله، بل لا يخطر ذلك في باله، وإنما يفتل عضلاته

لمعنى، أو لآخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق