الخميس، 15 ديسمبر 2016

بين الموت والحياة


قال تعالى :
 
 
{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
 كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }
[ الأنعام : 122 ]
 
وهذا مثل ضربه الله للذي هداه بعد الضلالة وشبَّهه بأنه كان كالميت
 الذي أحياه الله ، وجعل له نورا يمشي به في الناس مستضيئا به ،
 فيميز بعضهم من بعض ، ويفصل بين أبيضهم وأسودهم وجميلهم
وقبيحهم ومن يعرف منهم ومن لا يعرف ، ويسير فلا يتعثَّر أو ينكب
 على وجهه ، ويعرف طريقه بل يساعد غيره على معرفة طريقه :
 يرشد العميان ويهدي الحيران ، أهذا مثله مثل من بقي على الضلالة
المتخبط في الظلمة لا ينفك منها ولا يتخلص؟!
 
ولكي تفهمه الفارق جيدا بين الفريقين وترى التناقض الكبير
والبون الشاسع بين طريقين ، فاسمع ما قاله زيد بن أسلم
والإمام السُّدِّي في تفسير هذه الآية :
 
" { فَأَحْيَيْنَاهُ } :
عمر رضي الله عنه ،
 
 { كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ }
: أبو جهل لعنه الله " .
 
إنه الفارق بين السماء والأرض ، لكن الصحيح أنها عامة في كل مسلم
وكافر ، أو ضال ومهتدي ، ووصف الموت هذا أحد عشرة أوصاف
 وصف الله بها قلوب الكافرين في القرآن.
 
قال الإمام القرطبي :
" وقال أهل المعاني : وصف الله تعالى قلوب الكفار بعشرة أوصاف :
بالختم والطبع والضيق والمرض والرين والموت والقساوة والانصراف
والحمية والإنكار ، فقال في الإنكار :
 
 { قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ }
[ النحل : 22 ] ،
 
 وقال في الحميّة :
 
{ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ }
 [ الفتح : 26 ] ، وقال في الانصراف :
 
{ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ }
[ التوبة : 127 ] ، وقال في القساوة :
 
{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
[ الزمر : 22 ] ، وقال :
 
 { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ }
 [ البقرة : 74 ]
، وقال في الموت :
 
 { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ }
 [ الأنعام : 122 ] ،
 
 وقال :
 
 { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ }
 [ الأنعام : 36 ]
 
 وقال في الرين :
 
{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
[ المطففين : 14 ] ،
 وقال في المرض :
 
 { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }
 
 [ البقرة : 10 ] ، وقال في الضيق :
 
 { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا }
[ الأنعام : 125 ] ،
 
وقال في الطبع :
 
{ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ }
 [ التوبة : 87 ]
 
 وقال :
 
{ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ }
 [ النساء : 155 ] ،
 
 وقال في الختم :
 
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ }
 [ البقرة : 7 ] " .
 
وفي مقابل وصف : ميت ؛ أطلق الله على كل من قُتِل جهادا في سبيله
 لفظ : حي ، بل حرَّم علينا أن نطلق عليهم لقب أموات ،
 وما ذلك إلا لحياة قلبه ، فقال :
 
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ
 بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ }
 [ آل عمران : 154 ]
 
فنهانا سبحانه أن نطلق على الشهيد كلمة : ميت ، فهو حي في حياته
وبعد رحيله ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن طلحة بن عبيد الله
وهو حي :
 
( طلحة ممن قضى نحبه )
 
، فالحي حي في حياته وبعد مماته ، وميت القلب ميت في حياته
وبعد موته ، وحياة قلب الشهيد توحي بها معنى كلمة شهيد والتي تعني
أنه شهد على الغيب حتى صار عنده شهادة ، ولأنه رأى بقلبه ما لا يراه
الناس إلا بعد موتهم ؛ فأقدم على التضحية بأغلى ما يملك ؛

كوفئ باستمرار إطلاق صفة الحياة عليه حتى بعد الموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق