السبت، 29 يوليو 2017

أنت في أي مربع بالحياة؟


تأملتُ حياة الإنسان، فوجدتها تنقسم إلى أربعة أقسام،

سمَّيتُ كلَّ قسم منها: (مربعا)،

وجعلتُ مدة كل مربع عشرين عاماً على افتراضِ أنَّ الإنسان يعيش

ثمانين عاماً، ووجدتُ أن كل مربع من هذه المربعات له مهام وأهداف مختلفة عن الآخر:

( فالمربع الأول)

يبدأ من ميلاد الإنسان إلى بلوغه عشرين عاماً، وصفة المرحلة هذه

تكمن في التلقي والتعلم، ثم يأتي

(المربع الثاني )

ويبدأ من عمر الواحد والعشرين وحتى الأربعين عاماً، وهي مرحلة

العمل وكسب الرزق وبناء الأسرة، ثم

(المربع الثالث)

ويبدأ من الواحد والأربعين وحتى الستين عاماً، وهي مرحلة

تعليم الآخرين وتقديم الخبرة والمهارة لهم، وأخيراً

(المربع الرابع)

ويبدأ من الواحد والستين وحتى الثمانين عاماً، وهي مرحلة الإشراف

على ما أسس وبنى، مع التوجيه والمتابعة، وهي مرحلة كمال

النضج والحكمة.

وفي كل مربع من هذه المربعات له ما يمتعه ويؤنسه،

كما له تحدّياته ومشاكله وصعوباته التي يعيشها الإنسان، وقد يكون

هناك أحياناً تداخل بين المربعات،

فمثلاً: قد يستمر التلقي والتعليم لاستكمال الدراسات العليا،

فيدخل المتعلم على المربع الثاني إلى منتصفه، وتختلف ظروف

الناس كلّ بحسب ظرفه، فالشخص الذي لم يُوفّق للزواج مثلاً قد تتغيّر

عنده مهمة المربع الثاني، فبدلاً من العمل لبناء أسرة

فإنه يستمر في العطاء لخدمة المجتمع،

أو استكمال مشاريعه الخاصة، أو قد يقوم بخدمة أسرته الكبيرة.

ولو تأملنا الآية الكريمة:

{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ ...

أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا

تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }،

وهذا يعني أنه انتهي من مربعين من الحياة، وهو الآن مقبلٌ على آخر مربعين،

أي: إنه قد انتصف في الحياة، فلا بدَّ أن يقف وقفةَ تقييمٍ لأعماله وماضيه،

وأن يتوب توبة منتصف العمر، وأنْ يُجدّد العهد مع الله تعالى بأنه من المسلمين،

ثم ينطلق إلى المربع الثالث وهو مربع خدمة المجتمع والمساهمة

في الإصلاح والتنمية في المجال الذي تخصص فيه،

سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو صحياً، أو غيرها من المجالات..

ولهذا أكثر الأنبياء جاءتهم الرسالة ونزلت عليهم بعدما تجاوزوا

أول مربعين في حياتهم، وبدؤوا في بداية المربع الثالث؛

لأنه هو مرحلة العطاء للآخرين،

وقد اكتمل النضج والفهم عندهم، فينطلق حينها لتوجيه المجتمع وبنائه.

والمُوفَّقُ من توجَّهَ لبناء مجتمعه وهو بالمربع الثاني (21-40)،

وهذا توفيق من رب العالمين، ونعمة عظيمة تستحق الشكر،

فيكون هذا الإنسان قد سبق وقته وزمانه، وعاش متقدماً أقرانه وإخوانه،

فتقسيم العمر بهذه الطريقة يساعد في تحديد الدور والمهام وتنظيم

الحياة حتى يحسن كل واحد منا استثمار طاقته وزمانه بالطريقة الصحيحة،

ومع هذه المربعات الأربعة فهناك أربعة مجالات لابد من

توزيع الوقت فيها بالعمر حتى يكون الإنسان متوازنا وهي

(العقل والجسد والقلب والروح)

فسعادة العقل بالعلم والثقافة والمعلومة، وسعادة الجسد بالحركة

والرياضة والصحة والتغذية الصحيحة، وسعادة القلب بالحب

وتبادل المشاعر مع الأهل والأصدقاء والأحباب، وسعادة الروح بالتواصل

مع خالقها كما قال تعالى

{ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي }

من خلال الصلاة والصيام والذكر والعبادة والخلوة،

فهذه أربعة مربعات وأربعة مجالات لتحقيق سعادة الإنسان لو أحسن

إدارتها بالشكل الصحيح، فلنتأمَّلْ هذه المربعات،

ولنحدِّدْ موقعنا منها ولنحرص أنْ نسبق زماننا بالهمة والعطاء،

فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم

(اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك،

وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)،

وفي هذا الحديث دليل على تغير الحال واختلاف الظروف وأن دوام

الحال من المحال، فلنسارع باستثمار الوقت وحسن استغلاله

ولا نكون من الذين لا هدف لهم بالحياة ولا يعرفون ماذا يفعلون.

د. جاسم المطوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق