الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

التحفيل على وسائل التواصل

التحفيل على وسائل التواصل

.. ومضاعفة إثم السخرية

مع هذا الانفتاح الهائل بين البشر، وسهولة تواصلهم من وراء الشاشات

التي تمنح جرأة زائدة، وتلغي اعتبارات السن والمكانة، يتجرأ الصغير

على الكبير، والوضيع على الشريف، دون اعتبار إلا لمهارات #السخرية

السخيفة، والفراغ وقلة القيمة التي تجعل التافهين متفرغين للمكوث للرد

والتعليق وتركيب الصور والمقاطع للنيل من أعراض الناس ومكانتهم،

حتى نشأ مصطلح "#التحفيل "، وما هو إلا سخرية مضاعفة أضعافا

كثيرة بقدر انتشارها وإيلامها، وما تتسبب فيه من قطيعة وتباغض

قد يؤثر بين شعوب.

يبحث الكثيرون عبر هذه الوسائل عن السقطات والأخطاء والكلمات

ليجعلوا منها مادة للسخرية، ويسمون ذلك "حفلة"! وكأن #السخرية

من شخص وتصيد خطئه هو أمر ممتع ومبهج ويجتمع عليه الناس

كالحفلات، متناسين أن كلمة فاسدة لا يلقي لها الإنسان بالًا ويعتبرها

عادية قد تهوي به في جهنم، فكيف بوابل الكلمات والإيماءات

والهاشتاجات والصور الساخرة عبر هذه الوسائل!


إثم السخرية

لا يوجد إنسان ليس به وجه للنقص، أو غير معرض لفعل أو قول أو حال

يُلم به يظهر فيه ضعفه واضطرابه، فأما الكرام من الناس فيقليون العثرة،

ويسترون العيب، وأما اللئام فيلتقطون النقص أو الخطأ ويجعلون منه

مادة للضحك والاستهزاء، فيقعون في إثم السخرية ، التي من كثرة

انتشارها والاعتياد عليها، تحولت من فعل لئيم قبيح إلى فنٍ وخفة

ظل ولطافة!

حذر الله تعالى في كتابه الكريم من السخرية

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ}.

ثم خص النساء بالذكر،

{ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيراً منهنّ}

الحجرات: 11.


قال بعض أهل العلم: خصهن دفعًا لتوهم تخصيص النهي بسخرية

الرجال، و لأن السخرية منهن أكثر.


السخرية اعتداء

السخرية من مادة س خ ر، وأصل التسخير: التذليل، وجاء في اللسان:

سخرته: أي قهرته وذللته. وسخره تسخيراً: كلفه عملا بلا أجرة، وكل

مقهور مدبر لا يملك لنفسه ما يخلصه من القهر فذلك: "مسخر".

وسخر منه أي استهزئ به، وبينهما فرق اصطلاحي.


ولكن الأصل اللغوي للكلمة يدل على القهر، فتتبع نقائص الإنسان والمزح

منها وتكبيرها وجعلها مادة لضحك الناس فيه من القهر والذل ما فيه،

وقد نهى الله تعالى عنه لأنه من أكثر ما يُفسد القلوب، ويزرع الكراهية،

ويجعل الناس متباغضين، متتبعين للعورات، ويصيب الناس بالقلق

من بعضهم البعض، وبدلًا من أن يكون المسلم سترًا لأخيه، وسندًا له،

يتحول إلى عدو يسعى لانتقاصه وإذلاله، فتشيع الكراهية، وتقل الثقة،

وينشأ الصغار على الخوف من الكلام والفعل والابتكار،

قال صلى الله عليه وسلم:


( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ )

. رواه مسلم.


الفرق بين السخرية والاستهزاء

السخرية تكون بالقول والفعل والإشارة،

بينما لا يكون الاستهزاء إلا بالقول.

كما أن السخرية تأتي بعد فعل وقع من الإنسان

أو خصلة، بينما لا يلزم الاستهزاء تقدم فعل.

السخرية تدل على الشعور بالنقص

لا ينتقص الناس، ويُشهر بهم لخصالهم أو طريقتهم في الحركة والكلام،

أو لخطأ ورد منهم، فيعرضه بطريقة هزلية لإضحاك الناس وجعل

الانتقاص ممتعًا ومنتشرا، إلا إنسان يشعر داخله بالنقص، يحقد على

غيره، ويغار منه، أو إنسان فارغ ناقص القيم والنضج النفسي.

وليس أفضل من ختام الآية الكريمة في النهي عن

السخرية والتلامز والتنابز، قال تعالى:


{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

الحجرات: 11

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق