الخميس، 29 نوفمبر 2018

أنا متعلقة بمعلمتي

أنا متعلقة بمعلمتي

أ. مروة يوسف عاشور

السؤال

♦ الملخص:

فتاة تُحب معلمتَها وتشتاق لرؤيتها باستمرار، لكن المشكلة أنَّ معلمتها

أخبرتها أنها مثل بقية الأخوات وليس لها محبة خاصة،

مما أصاب الفتاة بصدمة؛ لظنها أنها كانت أقرب الناس لها.

♦ التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معلمتي حفظها الله، إنسانة مجتهدة جدًّا، وهي تبذل مجهودًا كبيرًا

لنشْرِ العلم، كانتْ معاملتها لي خاصة، ولاحظ البعضُ هذا،

ومِن أجْلِ ذلك أحببتُها، واحتلتْ جزءًا مِن قلبي، فكانت بالنسبة لي

الأخت والصديقة والمعلمة، وكنتُ أظن أنني عندها بنفس المنزلة،

لكن اكتشفتُ أنني عكس ذلك، فقالتْ: أنت مثل بقية الأخوات!

وبعد هذه الجملة انقلب حالي وكياني، ومررتُ بحالة نفسية صعبة جدًّا،

وكأنَّ شيئًا في داخلي انكسر، فلقد تمنيتُ أن تعدني أختًا لي قريبة منها.

بكيتُ وتألمتُ وحزنتُ، حتى حاولتُ أن أنقطع عنها، لكن لم أستطعْ

لشدة محبتي لها، وهي تعلم بكل ما أصابني فأنا لا أخفي عنها شيئًا،

وأحيانًا يستغل الشيطانُ ضعفي هذا ويوسوس لي بما يثير

العداوة بيننا، لكن الحمدُ لله أبتعد عن تلك الوساوس.

لا أريد أن أخسرها، وأحتاجها في طريقي، وفي الوقت نفسه أريد

راحةَ البال، وأريد أن أكملَ تعلمي، لكن أتعبتني مشاعري تجاهها.

أرجو أن تجيبني الأستاذ/ مروة عاشور بارك الله فيها.

الجواب

أيتها الكريمة، حياكِ الله وبارك فيكِ، وأسأل الله تعالى أن يجعلَ لكِ مِن كل

عسرٍ يُسرًا، ومِن كل ضيقٍ فرَجًا، ومِن كل هَمٍّ مَخرجًا، وأن نكونَ عند حسن ظنكِ.

كنتُ أُفضِّل أن تذكري عمركِ فهو مِن الأهمية بمكانٍ للمستشار حين

يكتب الجواب؛ حيث يتضح معه الكثير من الأمور التي تُعين بإذن الله

على الوصول لحلول وأفكار مِن شأنها أن تُعين على حل المشكلة،

فهذا تذكيرٌ لكِ عزيزتي إن أنتِ هممتِ بالكتابة إلينا مِن جديد.

بعد انقضاء فترة المراهقة وقبل الزواج تَمُرُّ الفتاة كثيرًا بمرحلة مِن

أصعب مراحل حياتها؛ حيث تختلط بعض المشاعر، وتعتلج العواطف

في صدرها، وتتدافع الأحاسيس على غير هدًى، فتتقاذفها الأحداثُ،

وتُؤثر فيها الشخصيات مِن حولها، وتميل غالبًا إلى بعض الأشخاص

على حسب ما يتكوَّن لديها مِن تصوُّر حسَنٍ لهذا الشخص؛

فترتفع مكانته في قلبها، وتزيد قيمته في نفسها، وتعلو مكانته

حتى تصبحَ ذا شأن يَصْعُب إغفاله ويشق عليها إهماله،

وقد يُعينها تفهُّمها لطبيعة تلك المشاعر على تخطي الكثير مِن العقبات

التي قد تحرمها مُتَع الحياة، وتُخفي بهجتها خلف أستار

القلق الذي يكون سمةً مِن سمات تلك المرحلة.

خَلَق الله تعالى الفتاة وفطَرها على الحنان، ووَضَع في قلبها الرقة،

وجَعَلَها مصدرًا مِن مصادر العطف والحب والمشاعر الجيَّاشة

تُغدق مِن فيض عواطفها على الأسرة، فتُنسي الزوج تعَب وهموم العمل،

وتُخَفِّف عن الأطفال شدةً يُلاقونها في حياتهم، وتنشر المحبة حولها بلا حساب.

وحينما يتأخر الزواج قليلًا وقد لا تشعر الفتاة بحاجتها للزواج،

إلا أن تلك العواطف لا تهدأ ولا تسكن، وتبحث عمن تَمنحُه تلك

المشاعر الجميلة، ويأبى قلبها الرقيق إلا أن يتواصل ويُحب

ويتفاعل مع مَن يصلح من حوله لذلك الحُب العذب الجميل،

وقد كانتْ معلمتكِ ممن يصلحون لذلك؛ حيث اجتمعتْ فيها الكثيرُ

مِن الصفات الحسنة والطباع الحميدة، فأحببتِها ذلك الحب الكبير،

واحتلَّتْ مِن قلبكِ تلك المكانة العالية، في حين لم يتوفر لديها شيءٌ

مما توفر لديكِ من حيث العُمر أو الحالة الاجتماعية، أو عدم وجود

شقيقات أو غيرها، فكان موقفُها مختلفًا تمامًا،

إلا أنها تعامَلَتْ معكِ بلطف زائدٍ لسبب غير الذي توقعتِه.

وعلى كل حال لستُ أرى داعيًا لتقليل التعامل معها، أو قطع العلاقة بها،

ما دامتْ لم تتعد المحبةُ عندكِ حدود الشرع، ولم تتجاوز الخطوط الطبيعية،

فلا مانع مِن المحبة في الله، والتواصل على الخير.

أيتها الغالية، الناسُ عمومًا - رجالًا كانوا أو نساء - يختلفون

في سلوكهم وطِباعهم ونظرتهم للأمور ومشاعرهم، فمنهم مَن يُحب الحديث

عن المشاعر، ومنهم مَن يراها مِن صغائر الأمور التي لا يجب أن

تحتلَّ مكانة بين الناس، فيكتفي بأنه يحب الشخص في الله بأن يحب

صلاحه وبِره وحُسن خلُقه، بصرف النظر عن الشخص نفسه،

أو عن صفاته المحسوسة، في حين يجمع الإنسانُ العاطفي إلى ذلك

شخصية المحبوب، فيُفكر في سائر صفاته المحسوسة مِن شكل

وصوت وهدوء، وغيرها مِن الأمور الملموسة التي تزيد مِن محبته

في قلبه، ولكن تختلف عن الحالة الأولى في أنها قد لا تجتمع إلا

في عددٍ قليلٍ من الناس، وهنا يُصبح التركيز على ذلك الشخص

بعينه ولو اجتمعتْ صفاتُ النُّبل وحُسن الخُلق في غيره.

أنصحكِ الآن ألا تكبتي مشاعركِ، ولكن وظّفيها توظيفًا يُريحكِ

وتتقبَّله هي، ولا تشعر معه بشيء من التذمر أو النفور.

إن أحببتِ أحدًا - زوجًا كان أو أختًا في الله أو قريبة أو غيرها

- فعامِليه بما يُحب هو أن يُعامَل، وليس بما ترينه أنتِ مناسبًا لكِ.

قبل فترةٍ راسلتني إحدى الأخوات تشكو حبها لزوجها ونفوره منها،

كلما زادت المحبة والاهتمام به زاد نفوره منها، وبعد الحديث باستفاضة

عن حالهما تَبَيَّن أن شخصيته من النوع السريع الاختناق، لا يحب

أن تُفصح له عن حُبها وتخنقه بالملاحقة والرعاية، ولو كانتْ صادقة!

وبعد تجربة التباعُد النفسي المعقول معه، نجحتْ بفضل الله في كسب قلبه

مِن جديدٍ، بعد أن كاد يفارق القفص العاطفي الذي أحاطته به زوجتُه!

اتخذي منها مُعينًا على تجاوز الأزمات في طلب العلم، اشكريها على الملأ،

تواصلي مع غيرها من الأخوات ولو لم تجدي مثلها، تقرَّبي إلى الجميع؛

فقد يرزقكِ الله بعددٍ مِن الأخوات الصالحات تتفرَّق المشاعر

بينهنَّ فتظهر في صورة معتدلةٍ غير مُبالغ فيها.

الحياةُ أقصر من أن نُضيعها في تحميل أنفسنا ما لا نطيق،

فلا تحزني على مشاعر طبيعية ستتعدل مِن تلقاء نفسها متى ما

عملنا على معالجتها بصورة سليمة ولم نُعطها أكبر مِن حجمها.

أخيرًا: أنتِ فتاة رائعة تمتلك أحاسيس راقية، ويَحْسُن بكِ أن تحبي

نفسكِ أولًا، وتعملي على راحتها قبل أن تُفكِّري في محبة غيركِ.

حفظ الله قلبكِ الجميل، وطهَّره مِن كل ما لا يُرضيه، وجمَّلكِ بالتقوى.

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل

منقول للفائدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق