الخميس، 27 يونيو 2019

من شيم الأكرمين

من شيم الأكرمين..

"العَفُوّ" وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي والذنوب،

ويحب الستر، ويعفو عن المسيء كرماً وإحساناً.

وقد ورد اسم الله "العفُوّ" في خمسة مواضع في القرآن الكريم،

اقترن فيها باسم الله "الغفور" في أربعة مواضع،

واقترن فيها باسم الله "القدير" في موضع واحد..

و"العفْوُ" صفة من الصفات التي يحبها ربنا عز وجل،

كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

«قلت: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟،

قَالَ: تَقُولِينَ: «اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»؛

فما أعظم هذا الدعاء الذي وصّى به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها

إذا صادَفَتْ أفضل ليلة والتي هي خيرٌ من ألف شهر..

كما أنها في الناس شيمة من شيم الأكرمين، الذين يتغافلون عن إساءة من أساؤوا لهم أو جهلوا عليهم؛

فهم لا يعاملونهم بالعدل بل يعاملونهم بالفضل ويردُّون الإساءة بالإحسان، والجهالة بالإكرام..

ومرتبة العَفْو في الناس مرتبة وسط بين كظم الغيظ، والإحسان،

كما بيَّن ذلك ربنا في قوله تعالى:

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]؛

فحين يسيء إليك شخص ما، قد تكظم غيظك لكنك لم تَعْفُ عنه بعد فهذه مرتبة.

وقد تكظم غيظك وتعفو عنه وهذه مرتبة ثانية،

وهناك مرتبة ثالثة أعلى منهما وهي مرتبة الإحسان لمن أساء إليك..

وأفضل ما يكون العفْو حين يكون صاحب العفْو قادراً على إنفاذ العقاب

والجزاء على من أساء إليه أو أخطأ في حقه؛ فيعفو عنه..

ومن أعظم أشكال العفو، بل أعظمها عفو ربنا جل جلاله عن عباده يوم الدِّين،

يوم يقوم الناس لرب العالمين، كما جاء في الحديث

«إن الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه حتى يقر بها ويعترف فيقول الله عز وجل:

قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم».

وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ:

"يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟" فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلامَ،

فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» أخرجه ابو داود

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ:

«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا،

وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» اخرجه مسلم

وقد تجلى عفو النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة،

من أشهرها عفوه عليه الصلاة والسلام عن أهل الطائف، عندما ذهب إليهم ليدعوهم إلى الله؛

فلاقى ما لاقاه من سب وشتم وضرب بالحجارة من صبيانهم،

ومع ذلك حينما أتى له مَلَك الجبال يطلب منه أن يأمره بأن يطبق عليهم الأخشبين؛

فما كان من الرحمة المهداة إلا أن عفا عنهم ودعا لهم وقال: لا،

لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.. والحديث أصله في الصيححين .

ومن أسوأ أشكال العفو، وهو من شيم اللئام،

أنْ يَمُنَّ صاحب العفو بعفوه على من عفا عنه، سواء بتذكيره بعفوه عنه كلما لقيه

أو بذِكْر عفوِه عنه أمام الناس وفي المحافل، حتى يصل بالمعفو عنه أن يتمنى لو لم يَعْفُ عنه!!

إن أمر العفو قد يشق ويصعب على نفوسِ كثيرٍ منا، لكنه يسير على مَن يسَّره الله له..

كما أن البعض ربما يرى أنه إنْ عفا عمن أساء إليه سيُعَدّ ذلك ضعفاً وعجزاً!

ولعله بشيء من الدربة والتمرين قد يصبح العفو صفة وسمة من سمات شخصيتك فتعفو عمن أساء إليك..

ولا ريب أننا جميعاً نرجو عفو ربنا سبحانه وتعالى؛

فهلا عفونا عمن أساؤوا لنا حتى نتصف بهذه الصفة الربانية ونكون من الأكرمين؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق